الحوثيون وأمريكا.. والدبلوماسية الخانعة
تقرير تكتبه: نادية صبره
المحاولات الأمريكية لنزع فتيل الأزمة اليمنية مستمرة منذ تولى الرئيس (بايدن) مهام منصبه.
وكانت إدارة بايدن تتوقع أن الحوثيين جماعة جاهزة لأن تكون شريك في السلام، لذا بادرت بتقديم هدايا مجانية لها كرفع اسم الجماعة من قائمة المنظمات الإرهابية، وقد إستغلت الجماعة ذلك في إحداث إنتعاشة عسكرية لها.. كما تم تعيين مبعوث أمريكي خاص لليمن، وقام الأخير بجولات مكوكية، فزار كل العواصم المعنية بالملف اليمني، ولكن مع إنغماس أمريكا في الأزمة بدأت تكتشف حقيقة الدور الحوثي وأنها جماعة وجدت فقط للحرب فهي أداة إيرانية لا أكثر لذلك حمل المبعوث الأمريكي (تيم ليندر كينج) الحوثيين مسئولية إستمرار الصراع بعد أن رفضوا كل العروض والمبادرات السعودية والأممية وحتى الأمريكية لوقف إطلاق النار خاصة بعد عودة المبعوث الأممي هو الآخر (مارتن جريفيث) يائساً بعد زيارته الأخيرة لصنعاء ولقائه بزعيم الحوثيين (عبد الملك الحوثي) الذي رفض ربط الملف الإنساني الذي جاء من أجله (جريفيث) أصلاً بالملف العسكري لذا حمل جريفيث، الحوثي شخصياً المسئولية وتحدث في المؤتمر الصحفي صراحة بأنه غير مرتاح ومهمته طالت ولا بوادر حقيقية لمأساة اليمن منذ سبع سنوات..
كما اتهمت الخارجية الأمريكية الحوثيين بأنهم يعطلون من أجل السيطرة على (مأرب) ووجهت لهم رسائل قاسية وقالت أن إستمرارهم في هجماتهم على (مأرب) يتركهم في عزلة متزايدة، بعدها قام وزير الخارجية الأمريكي (أنتوني بلينكن) بإجراء اتصال مع نظيره وزير الخارجية العماني (بدر البوسعيدي) لأن واشنطن تدرك أن الحوثيين ليس لهم إتصال بالعالم الخارجي سوى عبر سلطنة عمان، لذا فهي تستطيع لعب دور هام يمكن من خلاله التوصل إلى صفقة لإنهاء الوضع الحالي فى اليمن، ومن ثم الحرب بمجملها.
كما أن السلطنة تقف على الحياد وتتمتع ببعض النفوذ وتحاول أن تستثمره الآن، فمفتاح كل الأزمة يكمن في وقف إطلاق النار الذي سيمهد لجميع العمليات، ولفتح مطار صنعاء وميناء الحديدة، وإعادة طرح المبادرة السعودية.
لذلك توجه وفد عماني في زيارة هي الأولى من نوعها إلى العاصمة اليمنية صنعاء، وذهبوا مباشرة للقاء (عبد الملك الحوثي) بالطبع نتيجة الضغط الأمريكي وواضح أنهم يحملون أفكار ومقترحات وربما مسودة أو خطة للخروج من الحرب المدمرة، فالجميع وصل إلى سقف التنازلات ويدفع بإتجاه وقف إطلاق النار في جبهة مأرب التي هي عقدة العقد اليوم.
.. ولكن ماذا لو رفض الحوثيين التفاهمات العمانية؟ بالطبع سيزيد التعقيد، في المشهد اليمني المعقد أساساً، وهذا ما سوف يتضح في اليومين القادمين – نعم هناك نية أمريكية لإنهاء هذا الملف وإغلاقه وكذلك لدى المجتمع الدولي، ولكن الكل يحمّل الحوثيين المسئولية، وهم يدركون أن الأفعال والقرار بيد إيران، وهي تريد أن تستثمر الورقة اليمنية لتوجهات أخرى وليست معنية الآن بوقف إطلاق النار.
وربما يتغير الموقف بعد شهر… وتتغير المعادلة لتظل اليمن رهينة المصالح الإيرانية..
إن التسرع الأمريكي بالدفع في الملف السياسي اليمني أدى إلى فوضى استغلتها الميليشيا الحوثية، وأمريكا تمتلك أوراق ضغط حقيقية يجب أن تستغلها، مثل التراجع وإعادة تصنيف الحوثيين جماعة إرهابية، ولا يكفي فرض عقوبات على بعض الشخصيات البارزة في الجماعة، وأيضاً تسليح الجيش الوطني اليمني، ووضع قيود على الشبكات التي تدير مليارات الدولارات في الخارج لصالح الحوثيين، وهي من تدير الحرب وليس من مصلحتها السلام، وأيضاً كان يجب مناقشة التدخلات الإقليمية لإيران أثناء مفاوضات فيينا، ولكن أمريكا كانت تسعى فقط للتركيز على النشاط النووي وإن الدور الإقليمي ستجري مناقشته لاحقاً بعد الإتفاق ولذلك لن يكون ناجحا ولن يمثل أي ضغط على طهران.
ولم يعد هناك أحد يستطيع أن يبرر للحوثيين استمرارهم في القتال ورفض كل هذه المبادرات وتأكد الجميع أن الجماعة الحوثية لم تقتنع بعد بالسلام وتريد الاستمرار في الحرب للحصول على مكاسب أكبر، وتصور أنها ضحية عدوان.
وتصريحات الحوثي الأخيرة التي أعلن فيها أنه على خطى (حسن نصر الله)، وشكره إيران وأعلانه أنه مرتبط بها تؤكد أنه لا يمانع بزج اليمن في حروب لا ناقة لها فيها، ولا جمل، ولا تعنيه معاناة الشعب اليمني الشقيق.. لذلك لا بد من الضغط على الحوثيين ليتوقفوا عن التعنت ويتجاوزا مع الزخم الدولي وإنهاء الأزمة التي بدأوها في 2014 وذلك بأن يشعروا أن الموقف الأمريكي الذي اعتمد على الدبلوماسية معهم وكان يأمل أن يتعاونوا، قد انتهى وأن الأمور قد تنقلب رأساً على عقب إذا لم يتعاونو ويقبلوا بوقف إطلاق النار في مأرب، وأن حلم السيطرة عليها بات مستحيلا.. ولا بد أن يدركوا أن الدبلوماسية التي خدمتهم بشكل أو بآخر قد انتهت وأنه قد ولى عهد الدبلوماسية الخانعة.