لواء دكتور/ سمير فرج يكتب: بعد خمسين عاماً.. مش عارف أنا فين
منذ أكثر من خمسين عاماً، حضرت من بورسعيد للقاهرة لألتحق بالكلية الحربية، الواقعة، حينها، في أقصى صحراء ضاحية مصر الجديدة. ومنذ ذلك الحين التصقت بتلك الضاحية الراقية التي أنشأها البلجيكي “البارون إمبان”، عام 1905، على أحدث النظم والطرازات الأوروبية، سواء في تخطيط الشوارع، أو تصميم مبانيها المنفردة، وشيد بها قصره الشهير؛ “قصر البارون”، الذي أصبح أحد أجمل المتاحف في مصر.
عشت في هذه المنطقة أجمل أيام حياتي، وقضيت بشوارعها ومطاعمها ودور السينما ونادي هليوبوليس وحديقة الميريلاند، عطلات نهاية الأسبوع، مع زملائي من طلبة الكلية الحربية. وحتى عندما تزوجت، قررنا الاستمرار في هذه الضاحية الرائعة، والتحق أبنائي بأرقى مدارسها، وكوّنوا أجمل ذكريات العمر. وكنا جميعاً سعداء بشكل ونمط الحياة، حتى بدأ الزحام يزحف على المنطقة، واختنقت الحركة فيها، وصار الوصول لمنطقة الكوربة أو ميدان الجامع يستغرق وقتاً أطول مما يستحق، فقرر معظم سكان المنطقة هجرتها إلى القاهرة الجديدة، إذ لم تعد مصر الجديدة … جديدة.
كنت ممن تركوا مصر الجديدة، منذ ما يقرب من عشر سنوات، وسمعت، منذ فترة، أن السيد الرئيس السيسي، أثناء متابعته لهموم الشعب المصري، علم بما آل إليه حال مصر الجديدة، فوجه بإعادة تخطيط شوارعها، ومحاورها المرورية، وتابع، بنفسه، تنفيذ الخطة، التي بدأت على الفور. وكالعادة، تعالت أصوات أعضاء حزب أعداء النجاح، الباحثين عن وسيلة لإثارة الرأي العام بها، فمنهم من صرخ لتقطيع بعض الأشجار، التي تمت ضمن توسيع الطرق، ومنهم من ادعى أن كنيسة البازيليك، أحد رموز حي مصر الجديدة، مهددة. وهو ما تحققت من صحته من الأخ اللواء أمير سيد أحمد، الذي أكد أن الكنيسة باقية، وتم وضع الحلول المرورية المناسبة حولها.
وفي الأسبوع الماضي، كنت أزور أحد الأصدقاء في مستشفى هليوبوليس، وفجأة وجدت نفسي في منتصف مصر الجديدة التي تغير شكلها تماماً؛ الطرق العلوية في كل مكان، والتحويلات المرورية ألغت التقاطعات، لتتحقق السيولة المرورية المنشودة، في ظل التكدس السكاني. كما أنشئت المقاهي، والمطاعم والمحلات، المتطورة، بأذواق راقية، وخصصت مناطق لانتظار السيارات وزرعت أشجار جديدة، ضمن خطة الحفاظ على الطابع الجمالي للحي.
وفي طريق العودة أصر صديقي أن يقود السيارة بنفسه، ليتمتع بما شهدته معشوقتي من تطور، فاطلعنا على عروس جديدة في ثوب جديد … وأخيراً عرفت أنا فين، أنا في مصر الجديدة، التي عادت جديدة.
Email: [email protected]