الموسيقار أحمد عواطف.. سيرة “أَبْ الموسيقى الأكاديمية” بالمغرب
كتب- محمد محمود
تم مؤخرا تكريم المايسترو الحاج أحمد عواطف، رئيس الجوق الملكي، ومدير المعهد التابع للدرك الملكي، بمناسبة الدورة الثانية للمهرجان الوطني “للموسيقى والتربية”، الذي نظمته الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة مراكش آسفي تحت شعار: “التربية الموسيقية رافعة لإرساء مدرسة متجددة، منصفة، مواطنة ودامجة”، لينضاف هذا التكريم إلى سلسلة من التكريمات داخليا وخارجيا على مدى 6 عقود من عطائه الفني المتواصل.
يُعَدّ المايسترو أحمد عواطف واحدا من ألمع رواد الموسيقى بالمغرب، ويصفه العديد من المتتبعين كونه “أَبْ الموسيقى الأكاديمية بالمغرب”، نظرا لمساره الطويل الحافل بالنجاحات، حيث اهتم منذ شبابه بهذا المجال، وهو المولود في مدينة مكناس سنة 1938، علما أن أصوله مراكشية من جهة الأم، كما أن أصوله كذلك رودانية من جهة الأب.
عندما كان يبلغ 7 سنوات من عمره، انتقل رفقة عائلته من مكناس إلى مراكش، حيث تابع هناك تعليمه الابتدائي ثم الاعدادي والثانوي، وفي مراكش زاد شغفه بالموسيقى والفن و الابداع، وكرس شبابه للموسيقى الأكاديمية، حيث منها ارتوى وتأطر، وشكلت شغفه وطموحه الذي قاده في أوج عطائه الفني لأن يُعَيَّن رئيسا للجوق الملكي، في نهاية تسعينيات القرن الماضي.
في نهاية الخمسينيات سيتعرف أحمد عواطف على الموسيقار الفرنسي الشهير أونتونان بات، العازف الماهر على آلتي الكمان و الألتو، وعضو الجوق السمفوني التابع للإذاعة بمدينة الرباط، وهو نفسه المدير التنفيذي للمعهد الموسيقي البلدي بمدينة مراكش، حيث اشتغل معه في تقديم دروس بالمعهد باللغة العربية.
عندما كان يبلغ من العمر 22 سنة، أي في العام 1960، قرر الانتقال إلى العاصمة، ليلتحق بالمعهد الموسيقي لمدينة الرباط، الذي كان يدبر شؤونه الموسيقار الكبير أليكسي شوتان، وهناك سيتسلق أحمد عواطف كل المراتب والمناصب، ليصبح أستاذا ثم ناظرا للدروس، قبل أن يعينه وزير الثقافة أحمد باحنيني، سنة 1974 مديرا للمعهد الموسيقي بالرباط، وعمره لا يتعدى 36 سنة، حيث سيعرف المعهد في عهده فترة ذهبية، خاصة وأنه ترأس المعهد لمدة 12 سنة، وتخرج على يده أساتذة كبار في المغرب.
وفي أوائل الثمانينات من القرن الماضي التحق بمؤسسة الدرك الملكي بتكليفه مهمة تأسيس الجوق السانفوني والفرقة النحاسية التابعة لهذه المؤسسة مع إدارة المعهد الموسيقي التابع للدرك الملكي وجعله نموذجا دوليا بضوابط عالية وبنفس معايير المعاهد الموسيقية العسكرية الدولية. وشارك الجوق الذي أسسه في العديد من المناسبات، وفي محاول دولية ممثلا للمغرب في المهرجانات الدولية للموسيقى العسكرية بكل من فرنسا وألمانيا وروسيا، كما سيوثق للتلفزة المغربية عددا من الأناشيد الوطنية الخالدة.
كفاءة المايسترو أحمد عواطف جعلته يترأس جل المؤسسات التعليمية الأكاديمية العليا بالمغرب، وكان يوصف وسط زملائه بأنه المرجع في الموسيقى الأكاديمية بالمملكة، وكان دائم الحضور في مختلف المناظرات والأيام الدراسية سواء بالمغرب أو في مجموعة من الدول في مختلف القارات، كلقائه بالمايسترو محمد عبد الوهاب في زيارة رسمية بمصر، وقيادته للجوق السانفوني البرتغالي والجوق السانفوني الروماني وللجوق السانفوني الروسي ولقائه بعمالقة الموسيقي العالمية الكلاسيكية.
شكلت النقطة المفصلية في مسيرته الفنية الحافلة، يوم تفضل جلالة الملك المغفور له الحسن الثاني، في العام 1998، بتعيينه رئيسا للجوق الملكي، وهو يتشرف بهذه المهمة إلى يومنا هذا. كما أنه قدم لمدة عشر سنوات برنامجا على أثير التلفزة المغربية بعنوان “عالم الموسيقي”، شكل مرجعا للمهتمين والمبدعين والفنانين. حيث كان برنامجه يهتم بالموسيقى الكلاسيكية وبروادها عالميا ومسارهم وحياتهم.
تم توشيح المايسترو أحمد عواطف في العديد من المناسبات، حيث تشرف بالتوشيح بوسام الاستحقاق الوطني من الدرجة الممتازة، ووسام العرش من درجة فارس، ووسام العرش من درجة ضابط.
كما حصل على مجموعة من الشواهد والجوائز الشرفية في كل من التكوين الموسيقي وآلة الكمان وموسيقى الغرفة والهارموني وتاريخ الموسيقى، حيث حاز على شعار جمعية “الشيخ الجيلالي امتريد” بمراكش والعود الذهبي للنقابة الحرة للموسيقيين والمؤلفين.
لأحمد عواطف مجموعة من المؤلفات وألحان لأغاني عصرية ووطنية نذكر من بينها النشيد الرسمي للدورة التاسعة للألعاب العربية الذي غنته المطربة عزيزة جلال، كما لحن أعمالا غنائية لكل من محمد الحياني، وعبد الهادي بلخياط ورجاء بلمليح وسميرة بنسعيد وهند عواطف وسعاد محمد وسوزان عطية، وقام بتوزيعات لأغاني عصرية ووطنية، تاركا للخزانة الموسيقية المغربية والعربية عددا غير يسير من الابداعات، مما جعل منه مؤلفا موسيقيا مقتدرا.
كما اشتهر مند بداية مشواره باختصاصه في الأغنية الوطنية، حيت أنه قاد الجوق السانفوتي التابع لوزارة الثقافة في العديد من المناسبات الوطنية، والذي كان يشمل مشاهير العازفين المغاربة والأجانب والذي غني فيه كل من قيدوم الأغنية المغربية أحمد البيضاوي وعبد القادر الراشدي ومحمد فيتح والمزكلدي والمعطي بالقاسم وأحمد الغرباوي وآخرين.