أسماء خليل تكتب: التاريخ.. والعُذَير
كانت فترةُ التاريخ من أمتع الحصص التي مرت بنا- أنا وأصدقائي- خلال السنوات الدراسية، فقد كنا حديثي العهد بالتعرف على الحياة، وحينما كانت المعلمة تسرد علينا أحداثًا تاريخية؛ كنا ننصت باهتمام لندخل ذلك العالم الخفي المليء بالأسرار والعِظات..
كانت تذكر أن ثورة القاهرة الأولى اندلعت في عام ١٧٩٨ وأن محمد علي تولى حكم مصر عام ١٨٠٥…إلخ..فرسخ بأعماقي أن هذا التاريخ قرءانًا لا يتغير ولم تمسسه يد بشر، ولكن تعاقبت السنوات حاملة في طياتها بعض الأحداث على أرض الواقع، وكم رأيت أن حدثًا واحدًا يمكن تأريخه بعشرات التأويلات من كتاب لآخر..
لقد اصطدمتُ بالحقيقة، وهي أنَّ التاريخ ليس قاموسًا ثابتًا؛ بل إنه شيءٌ من صنع البشر تطلْهُ الأهواء الشخصية، فباتت كل صفحاته مُلونةً بالأمزجة والآراء؛ بل وبمدى الحب والكره للأشخاص الذين يخصهم السرد..وربما يتم التزوير في بعض الصفات المنسوبة للبشر؛ لتأتي إلينا شخصيات مشوهة.
إنه باستطاعتك في اكتشاف حقيقة واحدة أن تركن لكثير من الكتب وتطلَّلِع على العديد من المواقع؛ حتى يتبين لك الخيط الأبيض من الخيط الأسود..
إذن.. لا حقيقة.. أُطروحات..وسيناريوهات..وتوجهات.. هل هارون الرشدي كان عادلًا أم ظالمًا؟!.. هل نابليون أسلم قبل وفاته أم لا؟!.. عليكَ أن تستفتي قلبك.. أزمنةٌ ولَّت.. وحِقبٌ لم يتبقَ منها سوى بضع سطور.
ويحضُرُني رأي ابن خلدون عن التاريخ؛ إذ يرى أن له وجهان أحدهما ظاهر والآخر باطن.
حينما مرَّ “العُذير” على قرية ورآها خاوية على عروشها وسادها الخراب والدمار وتم قتل أهلها، فتأمل مصوبًا نظره إليها مُتأملًا قائلًا: أَنَّىٰ يُحْيِي هَٰذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ۖ؛ فأماته الله مائة عامًا ثم بعثه في نفس قريته، وحينما غاب عن الأنظار هناك من أهل القرية من قال إن العذير هاجر!!.. وهناك من قال إنه مات!!.. واختلفت الأقوال في أمره، حتى أصبحت سيرته في طي النسيان، ولم يعرف أحد الحقيقة إلَّا حينما عاد العُذَير وحكاها بنفسه،،
حقًا.. إنَّنا باحتياج ماس كل قرنٍ من الزمان إلى أن يرسل الله إلينا “عُذيرًا” يقص علينا الحقائق ويحكي لنا التاريخ.. كما ينبغي أن يكون.