طارق متولي يكتب: الراسخون فى العلم
بمناسبة الجدل الدائر حول شهادة الشيخ حسين يعقوب وادلائه بشهادته أمام المحكمة وانا هنا ليس فى مقام الحكم على الرجل أو الطعن فيه لأننى لا ادعى معرفتى بالعلوم الشرعية لتقييم اى من الدعاة الموجودين والذين لهم جمهور عريض يتابعهم ويستقى معلوماته الدينية منهم فهذا مرجعه لكبار العلماء فى الأزهر الشريف والهيئات المعنية.
فقط اريد أن أتكلم عن أمر واحد جاء فى هذه الشهادة على لسان الشيخ المذكور .
ذكر الشيخ حسين يعقوب فى شهادته أنه حاصل على دبلوم معلمين والحقيقة هذه كانت مفاجأة بالنسبة لى فبعد سنوات عديدة تمتد لأكثر من عشرين عاما فى الخطابة والدعوة والبرامج التليفزيونية كنت أعتقد أن الرجل على أقل تقدير دارس للعلوم الشرعية والفقه والحديث فى جامعة الأزهر
أو أحد المعاهد الأزهرية والدينية.
الأمر ليس سهلا على الإطلاق فهناك خلل كبير فى هذا الأمر ‘ دعونا نفكر من اين ياتى هذا الخلل؟
جرت العادة منذ زمن بعيد فى مصر ونظرا لإنتشار الزوايا والمساجد الصغيرة وعدم وجود خطباء مؤهلين أن اعتلى المنبر كثير من الشباب أو الرجال الذين يتمتعون بالجرأة والحماسة للدين بعد ما قرأوا بعض الكتب الدينية والخطب التى خطب بها علماء ومشايخ سابقون وراحوا يلقونها على المصلين فى المساجد فى خطبة صلاة الجمعة تحديدا وكثير ما صادفت انا شخصيا عند صلاة الجمعة فى مسجد صغير قريب من بيتى
أنه لا يوجد خطيب ليخطب فى الناس فيطلب مؤذن المسجد من المصلين أن يتطوع واحد منهم ليلقى الخطبة ‘ فينبرى شخص متحمس ممن له دراية بالدين ويقوم بدور الخطيب ثم يصادف أن هذا الشخص يتمتع بصوت حسن قوى وأسلوب خطابى جيد يقلد فيه من يسمعهم من المشايخ السابقين فيحوز على اعجاب الناس ويطلبون منه أن يخطب كل جمعة
فيتكرر الأمر ويجتهد هذا الشخص ويقرا أكثر لكنه لا يتعمق ولا يدرس ‘ قد يقرا بعض الكتب الدينية لكنه يقرأ اكثر ما يقرا حسب ملاحظتى لكثير من هؤلاء فى السيرة المشرفة سيرة النبى محمد صل الله عليه وسلم وحياة الصحابة والتابعين وهناك كتاب يعتبر مرجع لهؤلاء الدعاة للأمام ابن القيم اسمه صفة الصفوة ليس كتاب فقه ولكنه كتاب يحكى عن حياة النبى صل الله عليه وسلم وحياة الصحابة رضى الله عنهم وهو كتاب ممتع.
يأخذ هذا الشخص هذه القصص ثم يلقيها علي الناس فى الخطبة أو الدرس فيدغدغ مشاعرهم ويحوز على إعجابهم بهذا الكلام الطيب ومع الوقت يذيع صيته خاصة إذا كان يتمتع بكاريزما وتأثير فيتابعه كثير من الناس ويقعون تحت تأثير كلامه ومظهره الذى يذكرهم بالدين والورع والصلاح المتعطشين له ولا يجدونه فى كثير من الأشياء حولهم.
كل هذا دون التبحر فى العلم والفقه حتى تجد هذا الداعية لا يتطرق كثيرا إلى علم التفسير مثلا ‘ مع ميله للأراء التى تعجبه وتتوافق مع شخصيته ويراها هو مناسبه للمجتمع من وجهة نظره فيقدمها للناس كحقيقة ثابتة ومطلقة وهو يعتقد فى قرارة نفسه أنه يحسن صنعا ويبعد الناس عن الشبهات’ كالطبيب الغير ماهر الذى يحرم جميع المأكولات على المريض لأن هناك نوع معين من الطعام يسبب المرض وهو لا يستطيع تحديده بدقة فينصح المريض من باب الاحتياط ألا يأكل وبالطبع فى هذه الحالة سيصاب المريض بالهزال والضعف
الذى لم يكن يعانى منه أصلا وقد يفقد المريض حياته وهذه هى المصيبة الكبرى إن جاز التعبير.
دعونا نسأل:
هل يستطيع أى شخص أن يمارس الطب أو الهندسة أو الكيمياء والفيزياء دون أن يدرس هذه العلوم فى مكانها الصحيح ويحصل على شهادة وإجازة معتمدة تؤهله للعمل ومعالجة مشاكل هذا العلم ؟ بالطبع لا يمكن ذلك.
وهل يذهب الناس عند المرض العضال إلا للطبيب الماهر الذى ترقى فى العلم وحصل على أعلى الدرجات وشهد له كبار الأطباء بالمهارة والمعرفة فى مجال الطب !
فلماذا لا يطبق هذا على علوم الدين والدعوة ؟ أن التصدى لمجالس العلم أمر بالغ الأهمية له شروطه المحكمة يعرفها كبار العلماء من دراسة مستفيضة وبحث واطلاع
وشهادات جامعية عليا ومتخصصة لا يمكن أن يكون بهذه السهولة التى نراها فيما يسمى الدعاة الجدد يجب أن نعرف أن كل عالم داعية وليس كل داعية عالم والدعوة الصحيحة لله والدين لا ينبغى أن تقوم إلا على يد الراسخون فى العلم إذا كنا نريد أن ينصلح أمر الدين والدنيا معا.