“راقية ونجمة إبراهيم”.. إحداهما جاسوسة والأخرى كرمتها مصر

كتبت- أسماء خليل

في واحدة من أروع القصص يتجلى بوضوح أن الحكم على الأشخاص ليس بصورهم ولكن بقلوبهم، فكم من وجوه آية بالجمال ولكن داخلها القسوة، ففي الحين الذي تفخر فيه إسرائيل ببعض الشخصيات بوصفهم قدموا إسهامات ثقافية لبعض الدول العربية؛ فلم تعدو تلك الشخصيات عن كونها جواسيسًا ولا يستحقون أي تقدير..
فما زالت إسرائيل تُقدم “راقية إبراهيم” على أنها فنانة شاركت في تشكيل الحياة الثقافية والفنية في مصر، وفي الواقع لعبت راقية دورًا متباينًا تمامًا لما تؤرخه إسرائيل، إن الشعب المصري عرفها كجاسوسة خانت أهل البلد التي احتضنها وقدمتها للسينما كفنانة.
أختان هما راقية ونجمة إبراهيم تجسدان جميع الأدوار بالسينما، بينما تجسدان بالحياة دورين فقط هما الخير والشر.
ومن مسرح التمثيل إلى مسرح الحياة تأتى المفارقة بين أختين، أحدهما ذات وجه ملائكي وقلبٌ غمره الحقد وعملت كجاسوسة في مصر لصالح الموساد الإسرائيلي، والأخرى يحمل وجهها ملامح قاسية ولكن قلبها نقيٍّا صافيًا يغمره الخير قدمت إسهامات لإمداد الجيش المصري بالسلاح لمحاربة الإنجليز، وقد كرمها الرئيس السادات.

حياة “راقية إبراهيم”

إنها الأخت الصغرى لنجمة إبراهيم، ولدت في ٢٢ يونيو عام ١٩١٩، لأسرة مصرية واسمها الحقيقي “راشيل إبراهام ليفي”، أتت إلى مصر ومثلت أدوار الرومانسية في أبهى صورها بما تتضمنه من معاني الحنو والعطف؛ غير أن شخصيتها الحقيقية كانت على العكس تماما.. كان أول أعمالها السينمائية ليلى بنت الصحراء، حيث كان ذلك الفيلم جسرًا عبرت عليه لدخول قلوب المصريين وبزغ نجمها ونالت شهرة كبيرة في الأربعينات والخمسينيات بعد قيامها بدور كانت فيه بطلة لمسرحية سر المنتحر عام ١٩٣٨ لتوفيق الحكيم ، وقامت بدور البطلة في فيلم سلامة في خير لنجيب الريحاني، ورصاصة في القلب مع محمد عبد الوهاب، وفيلم زينب مع يحي شاهين عام ١٩٥٢والكثير من الأعمال الفنية..
قامت راقية إبراهيم بدور البطلة في فيلم ملاك الرحمة، ولكنها لم تكن أبدًا ملاكًا للرحمة، فلم تكن مخلصة لمن احتضنوها وقدموا لها الحب ولم تصن العشرة بينها وبين المصريين، ولكن عن أي ولاء نتحدث!! فقد كانت يهودية ولاءها الأول لبلدها الأم إسرائيل، فقد كانت تعيش بجسدها في مصر وقلبها في إسرائيل.
وفي عام ١٩٥٦ انتقلت إلى أمريكا التي استقرت بها بعد زواجها من المهندس مصطفى والي وعملت بالتجارة، ثم سفيرة للنوايا الحسنة لصالح إسرائيل.

اغتيال “سميرة موسى”

رغم بعد راقية إبراهيم عن مصر؛ إلا أن ولاءها لإسرائيل ظل في عروقها، فأصابع الاتهام تشير إليها بالاشتراك مع الموساد في اغتيال عالمة الذرة “سميرة موسى” عام ١٩٥٢؛ لرفضها الحصول على الجنسية الأمريكية والعمل بالمراكز العلمية بأمريكا وإصرارها العودة إلى مصر؛ مما أصاب إسرائيل بالقلق لاحتمالات إسهامها في برنامج نووي مصري قد يهدد أمن إسرائيل، وهذا ما أكدته حفيدتها “ ريتا ديفيد” في أحد البرامج، وقد كشفت بكل صراحة وبدون أي استحياء أن جدتها كانت عميلة بالموساد، وشاركت في اغتيال صديقتها المقربة جدا سميرة موسى، حيث كانت دائمة التردد لمنزل موسى أثناء معيشتها بالولايات المتحدة الأمريكية، مما أتاح لها فرصة تصوير منزلها بشكل كامل، بالإضافة إلى ذلك خيانتها لصديقتها بدعوتها إلى العشاء، ثم قامت بنسخ نسخة طبق الأصل من مفتاح شقتها لتعطيها للموساد لتسهيل دخول الشقة وتصوير الأبحاث والمعمل الخاص بها..
وكانت تعلم موعد زيارة سميرة موسى لأحد المفاعلات النووية بأمريكا، فأبلغت الموساد الإسرائيلي ليتم اغتيالها في حادث في ١٥ أغسطس عام ١٩٥٢.. والمفاجأة أن سميرة موسى نفسها هي من كانت تخبر راقية إبراهيم بخط سيرها؛ لمدى ثقتها بها.
بعد ذلك تزوجت راقية إبراهيم أمريكيا في سبتمبر عام ١٩٧٧وأكملت حياتها هناك.

حياة “نجمة إبراهيم”

وعلى العكس تماما تلك الأخت الثانية، فشتان بين الاثنتين، فنجمة إبراهيم التي لقبها البعض بملكة الرعب، والتي ولدت في ٢٥ فبراير عام ١٩١٤.. وعلى النقيض فهذه كرهها المصريون لبراعتها في تجسيد أدوار الشر، فقد قدمت أدوارًا كثيرة في السينما المصرية من أكثرها رعبا وشهرة دور “ريا” في فيلم ريا وسكينة عام ١٩٥٣ ، والذي يروي قصة سفاحتي اسكندرية، وقد نال ذلك الفيلم من الشهرة أن لقبها المصريون ب“ريَّا ”..
لم ينظر الشعب المصري أبدا لديانتها اليهودية ولكن أحبوها كمبدعة ونالت حظها من الشهرة كأي مصري، فالفنون لا تعرف تاريخ الأشخاص، الأهم ما يقدمونه.. كانت مبدعة نحتت بالصخر وشاركت بمناسبات المصريين، والذي لا يعلمه الكثير أن نجمة إبراهيم عملت كصحفية مصرية حينما عصفت أزمة اقتصادية بالفن
أحبت نجمة إبراهيم شابا مصريا يعمل بالصحافة، وأعلنت إسلامها في ٤ يوليو عام ١٩٣٢ ولكنهما انفصلا قبل إتمام الزواج، وبعد عدة أشهر عادت للفن من جديد وتزوجت من زميلها عبد الحميد حربي، لم يدم زواجها طويلا ثم تزوجت من زوجها الثاني والأخير عباس يونس عام ١٩٤٤ ، والذي تقابلت معه قبل ١٤ عاما ولم يشأ القدر أن يتزوجا حينها، تفرغت للفن بعد استقرارها من الناحية الأسرية، وكونت وزوجها فرقة مسرحية وقام هو بإخراج عدة أعمال فنية.

بطولة وطنية ومحنة

كان قلب نجمة إبراهيم ملئ بحب مصر وعامر بالوطنية، فكانت تتبرع بإيرادات بعض عروضها المسرحية لتسليح الجيش المصري، بعد إعلان جمال عبد الناصر بقصر احتكار السلاح واستيراده من دول الكتلة الشرقية بعد رفض الغرب تسليح مصر..
حضر الرئيس السادات أحد عروضها المسرحية، وبعد انتهاء العرض صعد على المسرح وصافح الفرقة ثم رفع يده لنجمة إبراهيم تحية لها ومنحتها وسام الإستحقاق بالإضافة إلى معاش استثنائي تقديرًا لعطائها الوطني النادر.
كان عباس يونس نِعم الزوج لنجمة إبراهيم في محنتها، فقد ساندها عندما فقدت بصرها، وظل كذلك هو سندها الذي تتكئ عليه في حياتها، بل وفي عملها، فقد كان يحفظها دورها بالمنزل ثم تأتي على المسرح ليعلمها كيف تسير بخطوات محسوبة؛ حتى لا يعلم الجمهور بعجزها عن الإبصار، وقد تم علاجها على نفقة الدولة في إسبانيا في ٢٢ مارس عام ١٩٦٥؛ تعود مرة أخرى لاستكمال مسيرها بالحياة وهي مبصرة.. توفت نجمة في ٤ يونيو عام ١٩٧٦، ويذكر أنها حولت دارها لحفظ القرءان الكريم.

زر الذهاب إلى الأعلى