تقرير | د. إسلام جمال الدين شوقي* يكشف علاقة الاقتصاد الأزرق بالآثار الكارثية لسد النهضة
الاقتصاد الأزرق يهدف في الأساس إلى الحد من المخاطر البيئية وندرة الموارد الطبيعية والبحرية على وجه التحديد ، والحد من السلوكيات التي تؤدي إلى تغير المناخ، وإلى المحافظة على سلامة المسطحات المائية كالأنهار والبحار والمحيطات من التهديدات والمخاطر التي تتعرض لها كبناء السدود دون الأخذ في الاعتبار مراعاة الأبعاد البيئية، والتلوث والصيد الجائر، والصيد غير القانوني، وإرتفاع منسوب المياه الناتج من التغيرات المناخية، وهو يؤكد على صون الإدارة المستدامة للموارد المائية.
يُعد ” الاقتصاد الأزرق ” من أهم مواضيع التنمية المستدامة ، والتي تهدف لإدارة جيدة للموارد وبالأخص المائية ، وحماية الأنهار والبحار والمحيطات بشكل مستدام للحفاظ عليها من أجل الأجيال الحالية والمستقبلية ، كما أن الاقتصاد الأزرق يعتبر دافعًا لتطوير الآليات والإجراءات التي تدعم الأمن الغذائي.
يقوم الاقتصاد الأزرق على تسخير المزيد من إمكانات الأنهار والبحار والمحيطات والسواحل البحرية من أجل تحقيق التنمية المستدامة ، وبالتالي فهو يغطي قطاعات عريضة مثل ( الصيد المستدام ، وتربية الأحياء المائية ، وأنشطة النقل النهري والبحري ، وأنشطة الموانيء اللوجيستية ، والسياحة البيئية ، وتحسين المناخ ، وإدارة النفايات ، والمحميات البحرية ، والسياحة الشاطئية ، وسياحة اليخوت والغوص والصيد ، وتوليد الكهرباء من طاقة المياه ، واستخراج البترول والغاز من أعماق البحار والمحيطات ، وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي).
وأعلن «الصندوق العالمى للحياة البرية» فى عام 2015 أن قيمة الأصول البحرية تقدر بما يقرب من 24 تريليون دولار، لكن هذا الرقم يعتمد بالكامل على ما يمكن أن نسميه ” بالمحيطات الصحية”. حيث تتأثر صحة المحيط سلبيًا بتغير المناخ والأنشطة البشرية الضارة مثل بناء السدود دون مراعاة الأبعاد البيئية والتلوث والصيد الجائر، مما يقلل من موارد الأنهار والبحار والمحيطات مثل مخزون صيد الأسماك.
وبتطبيق مفهوم الاقتصاد الأزرق على سد النهضة الإثيوبي فإن التأثيرات الناتجة عنه طبقًا للدراسات سوف يؤدي إلى نتائج بيئية واجتماعية خطيرة، فكل 4 مليار متر مكعب عجز من مياه النيل يعادل بوار 1 مليون فدان زراعي، وتشريد 2 مليون أسرة، وفقد 12 % من الإنتاج الزراعي وزيادة الفجوة الغذائية بمقدار 5 مليار جنيه، بالإضافة إلى زيادة خطورة الزلازل في منطقة سد النهضة لأنها منطقة فوالق، وإثيوبيا بها أكبر فالق جيولوجي على سطح الأرض وهو الإخدود الإفريقي العظيم.
وعلاوةً على كل ذلك زيادة نسبة تلوث المياه والملوحة وعجز في مآخذ محطات مياه الشرب نتيجة انخفاض المناسيب وتناقص شديد في السياحة النيلية وزيادة تداخل مياه البحر في الدلتا مع المياه الجوفية وتدهور نوعية المياه في البحيرات الشمالية بالإضافة إلى جميع المشاكل الاجتماعية المصاحبة، كما يأتي من بين نتائج دراسات الأثر البيئي لسد النهضة أن الخرطوم سوف تتأثر بشكل كبير وكارثي من جراء انهيار سد النهضة حيث سيؤدي ذلك الانهيار إلى انهيار سدود الروصيرص وسنار إلى جانب سد مروى الواقعة داخل الاراضي السودانية .
واستخلاصًا مما سبق نجد أن نتائج وآثار سد النهضة كارثية، حيث تقف عائقا أمام أي تنمية، وليست كما تزعم إثيوبيا أن الهدف من بناء السد تنموي، والتي يتعارض مع أهداف ومباديء التنمية المستدامة، ومع الاقتصاد الأزرق الذي يهدف لحماية الأنهار وتحقيق التنمية المستدامة وحماية الأحياء المائية وتحسين إدارة أنشطة النقل النهري والصيد المستدام وتوليد الكهرباء منطاقة المياه.
إن مصر والسودان عندما وقعت على إتفاق المباديء مع إثيوبيا في عام 2015 لم يكن لديهما أي مشكلة في أن تقوم إثيوبيا بتوليد الكهرباء من سد النهضة بشرط أن يكون هناك إطار قانوني ملزم بعمليات الملء والتشغيل والإدارة، ولكن عندما تعلن إثيوبيا أنها ستقوم بعملية الملء الثاني لسد النهضة سواء كان هناك إتفاق مع القاهرة والخرطوم أو لم يكن، وبالتالي هو مخالف لإتفاق المباديء، ونتيجة للقرار الأحادي بعملية الملء الأول تعرضت السودان لمخاطر في عملية توليد الكهرباء في سد الروصيرص، وتعرضت محطات مياه الشرب في الخرطوم لمشاكل نتج عنها توقف المحطات.
إن القضية اليوم أصبحت أنه لايجوز أن يتم الملء الثاني بدون إتفاق ملزم لإثيوبيا مع دولتي المصب مصر والسودان، لأن إثيوبيا تريد أن تفرض الهيمنة على النيل الأزرق، وبالتالي سيصعب التعامل مع إثيوبيا في قضية سد النهضة، أو إقامة أي سدود أخرى جديدة تريد أن تقوم ببناءها، وقد يؤدي هذا الأمر أيضًا إلى قيام دول المنابع الأخرى بأخذ نفس النهج الإثيوبي في التعامل وبناء سدود أخرى مثلها دون الرجوع والتشاور مع مصر والسودان.
وفي ضوء التحركات الدبلوماسية المكثفة التي تقوم بها كلٍ من مصر والسودان والتكاتف والتكامل العربي فقد تم إنعقاد مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزارى فى دورته غير العادية والتي عقدت بتاريخ 15 يونيو الماضي، بالدوحة، فقد تم إتخاذ عدة قرارات هامة يأتي من بينها:
أولًا: التأكيد على أن الأمن المائي لكل من جمهورية السودان وجمهورية مصر العربية هو جزء لا يتجزأ من الأمن القومى العربى، ورفض أى عمل أو إجراء يمس بحقوقهما فى مياه النيل.
ثانيًا: مطالبة إثيوبيا بالامتناع عن اتخاذ أية إجراءات أحادية توقع الضرر بالمصالح المائية لمصر والسودان، بما فى ذلك الامتناع عن ملء خزان سد النهضة دون التوصل إلى اتفاق حول قواعد ملء وتشغيل السد.
ثالثًا: أخذ العلم بالخطابات التى وجهها كل من وزير خارجية جمهورية مصر العربية ووزيرة خارجية جمهورية السودان إلى مجلس الأمن بالأمم المتحدة، والاتفاق مع ما ورد بهذه الخطابات من تحذير من العواقب على الأمن والسلم الدوليين والإقليميين المترتبة على عدم التوصل لتسوية عادلة لقضية سد النهضة.
رابعًا: دعوة مجلس الأمن لتحمل مسؤولياته فى هذا الصدد من خلال عقد جلسة عاجلة للتشاور حول هذا الموضوع واتخاذ الإجراءات اللازمة لإطلاق عملية تفاوضية فعالة تضمن التوصل، فى إطار زمنى محدد، لاتفاق عادل ومتوازن وملزم قانون حول سد النهضة يراعى مصالح الدول الثلاث.
لقد أصبح جليًا للأمر بما لا يدع مجالًا للشك أن إثيوبيا لا تعترف بأن هناك حقوقًا مائية لكلًا من دولتي المصب مصر والسودان، وكذلك أيضًا لا تعترف بقواعد القانون الدولي المرتبطة بالإخطار المسبق وعدم التأثير على الموقف المائي، وأصبح لزامًا على المجتمع الدولي أن يضطلع بمسئولياته لدعم الحقوق المائية لمصر والسودان، من أجل التوصل إلى تسوية عادلة لقضية سد النهضة.