أسماء خليل تكتب: الحب والمصلحة الاجتماعية
استوقفني حديث سائلة في إحدى برامج الفتاوى للدكتور مبروك عطية وهي تبث شكواها بصوتٍ حانق، وبالكاد ما تتفهم كلماتها من كثرة بكائها؛ استهلت الحوار بذكر سبب تعاستها ألا وهو زوجها، فأشار الدكتور عطية عليها أن تهدأ حتى يستطيع أن يسمع ويتفهم الأمر – بحنكته المعهودة وإدراكه البالغ لمكنونات البشر- فقالت له في حدةٍ أقل، زوجي يا دكتور لا يعيرني أي اهتمام أبدًا، ولا جدوى لديه ماذا أفعل في حياتي!!.. ماذا يسعدني أو يضايقني!!..إنه يأتي المنزل بحضور عابر ولا يترك أي بصمة داخل روحي، إذا مرضتُ لا يؤازرني وإذا ابتُليتُ لا يكن جواري، أرتدي ملابسًا يكن الحظ الأكبر منها للمرآة، فانطويتُ على نفسي لأنه لا يتجاذب معي أطراف الحديث.. إنه فقط.. يطلب ويجد من يلبى النداء في كل ما يريد.. حاولتُ مرارًا وتكرارًا – على مدى سنوات – التقرب منه بكل السبل المعنوية والمادية، ولكنه يأبى!!.
حاولتُ التَّلصُّص عليه كي أعرف شيئًا؛ فلم أستطع إذ أنه لا غبار على أخلاقه. فسألها الدكتور : هل ينفق عليكِ ويعطيكِ مما أعطاه الله؟!.. قالت السائلة : نعم، فقال لها : هل يضربكِ أو يهينكِ لفظيًّا؟!.. قالت : لا.. ومالبث الدكتور عطية أن يسألها السؤال التالي؛ حتى أسرعت متهدجة الصوت باكية : إنَّ زوجي لا يحبني!!!.
ضحك الشيخ ضحكة استنكار، متهكمًا متعجبًا من عدم فهم الناس لمعنى الحب!!.. وقال لها: بُنيَتي سأقول لكُ ما يثلج صدرك واحفظيه عني زمنًا طويلًا : “ الزواج مصلحة اجتماعية”.. فانثرت السائلة مندهشة صامتة صمتًا مرده التعجب.
يا لها من فلسفة عميقة تستحق التأمل.. حقًّا إنَّ تلك الجملة هي الناموس الذي ينبغي أن يعيه كل من يقبل على الزواج؛ فربما شاب يقبل على الزواج وهو لا يلتمس من شريكته إلا الحب؛ فلا يجده.. وربما فتاة لا تفهم من الزواج غير معاني الحب؛ وحين اصطدامها بالواقع تجد زوجها لا يعرف معنى الحب.. ويتم الطلاق.. ثم يتزوج الاثنان من زوجين آخرين، ومن المحتمل أو هيهات أن يجد أحدهما أو كلاهما ضالته.
إذن.. فمن الأولى التعرف على المعنى الحقيقي للزواج، وهو رجل يريد امرأة لسد رغبته، وعدم العوذ إلى الناس في قضاء احتياجاته وتكوين أسرة تكن له سندًا بالحياة.. وكذلك فتاة تريد ارتداء الفستان الأبيض وإحساس الأمومة والاستقرار في دارٍ يكن مملكة خاصة بها..
وأثناء مرور هذين الزوجين بالحياة.. إذا التمس كل منهما ما تمثله كلمة زوج للآخر؛ كان بها.. وإذا لم يلتمسا، ولم يشعر أحدهما بأن الآخر يبادله نفس شعور الحب الذي يسري داخله؟!.. لا بأس.. لا تعبئ جفنيك بالهموم وتحيا بدنيا عارية من كل شيء؛ بل قم بتفصيل كساءٍ يتناسب مع مقاس دنيتك، واسعد نفسك بطرق أخرى.. لم يمنحك السعادة شخصًا.
إذن.. فالزواج والحب ليسا مصلحين متلازمين دائمًا؛ فربما تلازما وربما لا؛ لوجود مسافة بين المعنيين.
فالحب.. هو ألا يلتمس المحب السعادة إلا جوار حبيبه.. يأنس لقربه.. يحب فعل كل شيء معه.. يمارس كل ما يحب مستمتعًا بحياته الشخصية كيف يشاء، ولكنه لا ينسى أن له حبيبًا يحتاج إليه..
الحب.. هو الاهتمام بالآخر ولو بالقليل.. مراعاة شعوره.. الدفاع عنه وحمايته.. السؤال عنه إذا غاب عن عينيه.. مؤازرته وقت شدته قدرما أمكن.. الترويح عنه إذا أصابه الهم.. إعانته على ذكر الله حتى يترافقا بالدنيا والآخرة.. إذا تحققت تلك المعاني السامية داخل النفوس.. فذاك هو الحب.