أحمد عاطف آدم يكتب: صابر يتلهف الستر في صمت

أحيانا لا أجد تفسيرًا شافيًا أو معبرًا عن تصرفات بعض الناس الذين فقدوا بمحض إرادتهم مسئولياتهم الإنسانية تجاه بعضهم البعض!.
آخر تلك الأحداث التي هزت مشاعري والكثيرين علي مواقع التواصل الاجتماعي كانت تنمر سيدة بكفاح معلم دراسات اجتماعية بمدينة “بيلا” التابعة لمحافظة كفر الشيخ، بعد تصويرها له وهو يعمل خارج المدرسة بأحد المطاعم، حيث صرح الرجل لأحد المواقع الإخبارية قائلًا: ” فوجئت بفيديوهات لي على صفحات التواصل الاجتماعي أثناء قيامي بعملي أمام باب المطعم، ومكتوب أسفل الفيديوهات “شوفوا يوسف صابر اللي عامل نفسه مدرس دراسات اجتماعية بيشتغل مشرف علي عمال النظافة”.

اقرأ أيضا.. أحمد عاطف آدم يكتب: أبناؤنا بين الطموح المشروع والقدر الحتمي
وأضاف صابر بأنه شعر بالحزن في البداية، لكنه سعيد بتعليقات الذين أثنوا عليه وتفاعلوا معه وصبوا جام غضبهم على من قام بتصويره، منهم من حضر للمطعم والتقط صورًا معه اعتزازا به وتكريمًا له، بالإضافة لعدد من المعلمين، وعلي صفحات” الفيس بوك” وال” جروبات”.

أكثر ما أحزنني في قصة أستاذ يوسف هو إجباره بشكل غير مباشر ووالدته وزوجته لتبرير سعيه المحمود من أجل لقمة عيش إضافية تستره وأسرته بعيدا عن الدروس الخصوصية التي يرفضها، ما جعله يؤكد على أنه رغم اضطراره للمكوث بالمطعم ساعات طوال إلا أنه لم ينشغل أو يتأخر يوما عن تلاميذه بالمدرسة ودائما ما يحرص علي مستقبلهم.
وفي هذا الفيديو كان يمسك بمكنسة خارج المطعم للتنظيف، أما في صغره فقد عمل بعدة مهن، منها صبى في مخبز بلدي، وعمل بمجال المحارة والجرافيت وكمشرف ملاعب، بينما أشارت والدته بأن زوجها سافر لليبيا منذ أن كان ابنها صغيرًا ولم يعد فاضطرت لصناعة الخبز وبيعه للجيران، مع تشجيع نجليها علي العمل حتي زَوَّجَا ثلاث شقيقات لهما، ثم أضافت زوجة يوسف بأنها لم تخجل من عرض هذه السيدة لزوجها وهو يكنس بمكنسة، بل هي سعيدة لأنه يجنبها الحاجة والسؤال، وأكدت أنه لولا مرضها لساعدته، وأن نجلها يعمل بنفس المطعم، وابنتها طالبة الثانوية العامة ستعمل بعد أداء امتحاناتها مع والدها، وأضافت بأن الفيديو الذي تم نشره زادها شرفًا، والحمد لله لم يكن يظهره سارقًا أو يفعل شيئا مخلًّا.

لسان حال يوسف وكل صابر علي قدره دائما يقول: “أحيانا لا نحتاج إلا لظل يحمينا من تتبع خطوات كفاحنا المتسارع في الحياة – نتلهف الستر في صمت ونقول يا رب”.. فهؤلاء الفقراء إلى الله الأغنياء عن الناس لا يتمنون من حطام الدنيا غير تقديرنا وتشجيعنا لهم، ولنعلم بأن نفوسنا وقلوبنا لن تستقيم إلا إذا دربناها علي التقوي واحترام مشاعر الآخرين، ولن يحدث هذا إلا إذا شب صغيرنا قبل كبيرنا علي قيم الزمن الجميل التي افتقدوها بعدما وصل بهم الحال للاستهتار والتنكيل بضعف الآخرين – وهل يعقل أن نهمل أحوالنا البائسة بقدر نوايانا ونركز فقط مع هؤلاء الأبطال البسطاء!؟.

زر الذهاب إلى الأعلى