طارق متولى يكتب “منظور آخر”: أقوى أسلحة الإنسان ؟
منذ خلق الله سبحانه وتعالى، آدم عليه السلام، علمه كل الأسماء وكل شىء، ثم أمره أن يسكن الجنة هو وزوجه، وأن يأكلا من ثمر الجنة رغدا، ونهاه عن الاقتراب من شجرة واحدة، والنهى عن مجرد الاقتراب مبالغة فى النهى، أى لا تفكر فى الأكل من هذه الشجرة حتى لا يخسر ويكون من الظالمين لأنفسهم، كما فى قوله سبحانه وتعالى: ( وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين)،(البقرة 35)
كان آدم عليه السلام يعيش فى الجنة هو وزوجه فى رغد الرغد وهو سعة المعيشة، فماذا حدث لآدم عليه السلام وزوجه بعد ذلك، هل أجبرهما أحد على الأكل من الشجرة؟!.. هل كانا مضطرين للأكل من الشجرة؟!
الحقيقة كما ذكرها القرآن أنه لم يجبرهما أحد، ولم يكونا مضطرين لذلك، ولكن وسوس إليهما الشيطان وقال لهما أن هذه الشجرة هى شجرة الخلد، وعزز قوله لهما بأنه ينصح لهم وأقسم على ذلك.
حدث كل هذا وهما لا يرونه ولا يكلمهما كلام مباشر ولكن “وسوس” لهما فما هى الوسوسة؟
الوسوسة هى فكرة يلقيها الشيطان فى عقلك، أو فى روحك، أو تلقيها النفس وقد وجد علماء النفس أن الفكرة التى تردد على العقل كثيرا يقبلها العقل الباطن فى النهاية ويحولها إلى عزيمة وإرادة، ثم إلى فعل .
وعندما ظلت تتردد فكرة الأكل من الشجرة فى عقل سيدنا آدم عليه السلام وزوجه تحولت إلى فعل فأكلا من الشجرة فظلما نفسيهما بالخروج من رغد العيش وسعته إلى ضيقه، ولهذا دعا سيدنا آدم وزوجه قائلين – كما فى قوله سبحانه وتعالى -: ( قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين (الأعراف 23) .
اقرأ أيضا.. طارق متولى يكتب “منظور آخر”: متى يستجيب الله دعائك؟
ذكرت هذه القصة أكثر من مرة فى القرآن الكريم لتعلمنا شىء مهم للغاية وهو أن الخطيئة التى يرتكبها الإنسان تضره هو، يظلم بها نفسه، وأن الخطيئة تدور فى عقل الإنسان قبل أن يفعلها، يلقيها فى عقله وروحه، الشيطان والنفس ويكررها عليه مرارا وتكرارا حتى يقبلها ويعملها فأن لم يدفعها الإنسان عن عقله من البداية ويطردها من تفكيره سيطرت عليه.
ولكن كيف يعرفها وكيف يدفعها؟!
هناك أشياء واضحة نعرفها بالفطرة أنها خطأ، وهناك أشياء تلتبس علينا فلا نستطيع التمييز فيها بين الخطأ والصواب، لهذا أرسل الله الرسل والكتب التى توضح لنا الحق والصواب، من الظلم والخطيئة، وكلها تخاطب عقولنا ونفوسنا.
وهنا يأتى دور الإيمان بالله وكتبه ورسله والإيمان هو أقوى سلاح يملكه الإنسان فى مواجهة كل الصعاب والأعداء فى الحياة، وهو السلاح الذى ينتصر به الإنسان فى جميع معاركه فى الحياة، وليس صحيحا أن من ينتصر هو الأكثر قوة أو أكثر عددا ولكن ينتصر الاكثر إيمانا.
وحتى نعرف معنى الإيمان وكيف نؤمن ؟ فالإيمان هو مجموع الأفكار التى تزرعها فى عقلك وتكررها عليه، وتذكّره بها دائما حتى يحولها عقلك دائما إلى دوافع ومشاعر دائمة تقودك إلى الخير.
لذا نجد الله سبحانه وتعالى يأمرنا بتلاوة القرآن والأذكار باستمرار.
كنت أتساءل دائما: لماذا نكرر قراءة القرآن وماهى الفائدة المادية الملموسة من هذا التكرار؟، حتى عرفت أن الإيمان ليس شيئا نحصل عليه مرة واحدة وينتهى الأمر بل هو عملية ينتجها عقلك باستمرار بالأفكار التى تغذيه بها ولهذا نجد أن الإيمان يزيد وينقص حسب كم الأفكار التى تغذيه بها، وحسب نوعية الأفكار التى تدخلها على عقلك تكون نوعية الإنتاج.
وعقل الإنسان كمبيوتر هائل يخزن مليارات الصور والمعلومات والخبرات وعلينا أن نعتنى بهذا الكمبيوتر العظيم وننظفه باستمرار من الأفكار الخبيثة ونحميه من الاختراق من قبل الشيطان والنفس والأعداء، حتى نحافظ على إيماننا ولا نقع فى الأخطاء فنظلم أنفسنا ونخسر معاركنا فى الحياة.