شهادة جديدة من الغرب عن “الربيع العربى” وأحداث الشرق الأوسط (١من٢)

كتبت: أسماء خليل

لأسباب كثيرة، كانت وما زالت منطقة الشرق الأوسط، وخاصة الدول العربية، مطمعًا لدول الغرب؛ وذلك لأسباب كثيرة من بينها الموقع الجغرافي لدوله، والثروات التى تحويها أراضى هذه الدول، وعلى رأسها حقول البترول والغاز، مما جعل هذه الدول عرضة دائمة للغزو.

وإذا نظرنا إلى وسائل الاستعمار الغربي لسيطرته على الشرق الأوسط؛ نجدها اختلفت عن سابق عهدها، فلم يعد الغزو بالأسلحة والصواريخ، بل بافتعال الحيل والمكايد والتدابير التي من شأنها السيطرة الفكرية وجعل البلد المستهدفة تنفذ خططهم بكل أريحية دون وعي لكم المخاطر المترتبة علي ذلك.

وبإقرار واعتراف من المُحللين السياسيين المستشرقين أنفسهم بأن كل ما يحدث على الأراضي العربية من ثورات وتدمير كان مُخططًا له من جهة الغرب.
ولدينا مثال وشهادة على ما سبق صاحبها الصحفي البريطاني شايماس ميلن Seumas Milne“ وهو سياسى يشغل منصب المدير التنفيذي للاستراتيجية والاتصالات بحزب العمال البريطاني، ويحلل الأخير مغ حدث، ويحدث في أحدى الصحف العالمية بكلمات معبرة تكشف ما حدث من تعديات فكرية أدت إلى زعزعة أمن الشرق الأوسط.

وفى مستهل تقريره المطول يستعين شايماس ميلن، بأرشيف “باثي نيوز” عن حكاية الشرق ويقول:
“وبعد تقسيم الشرق الأوسط إلى دول صورية بعد الحرب العالمية الأولى، تم قصف واحتلال أجزاءًا منه بواسطة الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وبريطانيا وفرنسا كما تم محاصرته بالقواعد الأمريكية وجواسيس داخل الدول العربية مدعومة من الغرب”.

وبالنظر إلى ثورات الربيع العربي؛ نجد العجب العُجاب، حيث أن أول ثورة قامت بتونس كانت ثورات لم تطلها يد مُدبرة وقد ركزت هي وكل الثورات العربية على التخلص من الفساد والفقر وانعدام الحريات، وليس الهيمنة الغربية أو الاحتلال الإسرائيلي، مما أقلق الغرب من ذلك الوضع، وبدأ يكيد لدول الشرق.
ويوضح الصحفي البريطاني ميلين ذلك قائلًا : “ إن حقيقة انطلاق تلك الشعوب ضد رؤسائهم تشكل تهديدًا فعليًا للنظام الاستراتيجي”.

ولك أن تتخيل مدى تفكير الدول الغربية؛ فيقول شايماس ميلن : “ منذ يوم سقوط الرئيس الأسبق “ حسني مبارك” في مصر، ظهر اتجاه مضاد متعنت بقيادة القوى الغربية و لرشوة أو تحطيم أو السيطرة على الثورات العربية، ولديهم معين من الخبرة المتأصلة يمكّنهم من استنتاج أنَّ: كل مركز للثورات العربية، من مصر إلى اليمن، عاش عقودًا تحت الهيمنة الاستعمارية، وكل دول حلف الناتو الأساسية التي قامت بضرب ليبيا، ومنها على سبيل المثال – الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا- كانت لديهم قوات تحتل المنطقة ومازالت ذكراها حية في الأذهان”.

ويوضح الكاتب أنه إذا أرادت الثورات العربية أن تتحكم في مستقبلها، فهي في حاجة إلى مراقبة ماضيها القريب؛ لذلك يسرد مجموعة نقاط من تاريخ التدخل الغربي في الشرق الأوسط، بإذن من أرشيف باثي نيوز، صوت بريطانيا، فيؤكد ميلين على أن الغرب لا يكل ولا يمل أبدًا في سعيه للسيطرة على الشرق الأوسط، مهما كانت العقبات، ويبدأ بالعراق ويذكر أن ثورة عام 1958 في العراق كانت المحاولة الأخيرة التي سعت فيها الدول العربية إلى الخروج من المدار الغربي – في الخمسينيات من القرن الماضي، تحت تأثير الوحدة العربية التي أطلقها الرئيس الأسبق “ جمال عبد الناصر”، فلم يهدأ بال لدول الغرب فأطلقت صيحة تحذير في أول تقرير إخباري لها تعليقًا على الأحداث بأن العراق الغنية بالبترول أصبحت “منطقة الخطر الأولى”.
وبدأ الغرب يشعر بخيبة أمل، حيث أكدت وسائل الإعلام الغربية حينها أنَّ الأحداث تحركت بسرعة شديدة، لسوء حظ السياسة الغربية.

يقول الصحفي البريطاني : “ ولكن في غضون أيام قليلة، حركت بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية آلاف القوات إلى الأردن ولبنان لحماية اثنين من الأنظمة العميلة لهم من الثورة الناصرية. أو، كما تقول باثي نيوز في تقريرها التالي، لغرض مزعوم وهو إيقاف سريان الفساد في الشرق الأوسط”.

فتلك الدول هي التي خططت لوقوع “صدام حسين” بالزج الفكري الممنهج من جهتهم، فلم يكن لديهم نية مطلقًا لترك العراق الثورية لأجهزتها الخاصة، وبالفعل دعمت المخابرات البريطانية والأمريكية الانقلاب الدموي والذي أوقع الرئيس العراقي الأسبق.

ويسرد ميلين أحداثًا وقعت في عام ٢٠٠٣ قائلًا : “وبالتقدم سريعًا لعام 2003، نجد أن بريطانيا وأمريكا استطاعتا غزو واحتلال الدولة بالكامل، وأخيرًا عادت العراق تحت سيطرة غربية كاملة – على حساب دم شعب تمت إراقته بوحشية ودمار. إنَّ قوة المقاومة العراقية هي التي أدت إلى رحيل القوات الأمريكية، ولكن حتى بعد الانسحاب، سوف يظل 16000 مقاول ومدرب وآخرين تحت أمر الولايات المتحدة. ففي العراق، كما في باقي المنطقة، لا يرحلون إلا إذا أرغموا على ذلك”.

ويوضح ميلين أن الغرب قد أصابته الدهشة والخوف من خروج المتظاهرون خلال الثورتين المصرية والليبية، ورأى الإعلام الغربي ما يود أن يراه في الغالب في الحشود سواء في ميدان التحرير أو بنغازي – أيًّا من كان سيصل للحكم وقت الثورة.. الأهم أنهم سوف يبدأون بالدسائس حتى لا تهنأ تلك الشعوب العربية.

ويُذكِّر ميلين الغرب بألَّا ينخدعوا – كقوى استعمارية – بشأن حقيقة ما يفكر به العرب، ويوضح أن العرب قد يثنون على أحد القادة المُحتلين للتمويه فقط، وهم يضمرون داخلهم كرها وانتظار ليوم الحرية؛ فيطرح الصحفي البريطاني سؤالا قائلًا : هل من الممكن للغرب أن يكون قد صدق بالفعل أنَّ آلاف العرب عندما أمطروا الثناء على الديكتاتور الفاشي موسولينى عندما قام بجولة في شوارع طرابلس في المستعمرة الإيطالية بليبيا في عام 1937 كانوا بالفعل يعنون ذلك؟
يستنكر كيف يكون ذلك وثلث سكان ليبيا قد ماتوا تحت وطأة الحكم الإيطالي الاستعماري الوحشي!!!

زر الذهاب إلى الأعلى