الدكتور ناجح إبراهيم يكتب: الشريك الأعظم
نشر د. ناجح إبراهيم، مقالا، فى جريدة “الشروق” حكى فيه حكاية، هى ليست مجرد حكاية، للتسلية، أو تضييع الوقت، لكنها درس وعبرة، تربط الحاضر بالماضى، فالإنسان هو الإنسان فى كل زمان ومكان، لكن آفة الإنسان هى النسيان، فجياناته لا تحتفظ بدروس الحياة، ولا يورثها الأباء للأبناء، إلا أن يقع الأخيرون فى نفس أخطاء الأولين، وفى التالى حكاية الشريك الأعظم بمشاهدها الثلاثة، لكاتبها الدكتور ناجح إبراهيم، ونصها كالتالى:
مشهد (1)
ذهب إلى متجره يوما فوجد امرأة تبكى وهى وطفلها الصغير فقال لها: ما يبكيك؟ فقالت له: زوجى سجين، قال لها: كيف أساعدك؟ قالت: أنت الذى سجنته، قال لها: أنا لم أسجن أحدا، صمت برهة، ثم تذكر أنه أرسل لمحاميه من ثلاثة أشهر عدة شيكات ووصولات أمانة لكى يناقش هؤلاء العملاء تهديدا لهم ولا يقدمها للقضاء ولكنه قدمها للقضاء مباشرة.
اتصل بالمحامى ليتنازل عن القضية، ولما فعل ذلك أمر ابنه أن يذهب بالتنازل وأمْر الإفراج إلى السجن ويأخذ زوجها بسيارته إلى بيته، عندها قرر التنازل عن كل ديونه لدى العملاء وكانت تبلغ 93 ألفا من الدنانير الأردنية.
شاع الخبر فى مدينته ثم فى الأردن، قلده تجار كثيرون، قال له المذيع: هل أنت لا تحتاج هذا المبلغ؟ قال: أنا أحتاجه جدا ولكنى رأيت وضع السوق المضطرب بعد كورونا فآثرت التجارة مع الله.
أبوالحكم العمرى التاجر الأردنى ضرب نموذجا رائعا للتجارة مع الله، إنه يكرر قصة ذلك الرجل الذى حكى عنه الرسول «صلى الله عليه وسلم» أنه كان يداين الناس فكان يقول لغلمانه «أى المحاسبين» أنظر المعسر وتجاوز، عسى الله أن يتجاوز عنا «فقال الله له يوم القيامة» أنا أحق بالتجاوز منك قد تجاوزت عنك».
والغريب أن مبادرة العمرى سرت فى الأردنيين سريان النار فى الهشيم، وقلده كثير من التجار الأردنيين، والغريب أنه لم يمر عليه وقت طويل حتى لقى ربه، عسى الله أن يقول له يوم القيامة «أنا أحق بالتجاوز منك، قد تجاوزت عنك».
مشهد (2)
المكان قرية صغيرة، اسمها تفهنا الأشراف بالدقهلية، تخرَّج تسعة من كلية الزراعة، كانوا فقراء، اتفقوا على إقامة مشروع دواجن، بحيث يدفع كل واحد منهم مائتى جنيه بعضهم باع ذهب زوجته أو بعض أرضه، بحثوا عن الشريك العاشر مرارا.
بعد عدة أيام قال م. صلاح عطية مستبشرا: وجدته قالوا: من قال: الله.. أسموه الشريك الأعظم، كتبوا عقد الشركة وسجلوه بالشهر العقارى، بدأوا مشروعهم، ربح ربحا عظيما وغير متوقع، كانوا يخرجون نصيب الشريك الأعظم للفقراء والمساكين وبناء المساجد والمعاهد الدينية، كانت مهمة الشريك العاشر تعهد الشركة بالحماية والرعاية والأمان من الأوبئة، فى الدورة الثانية من المشروع زادوا نصيب الشريك العاشر إلى 20 % ثم زاده بعد سنوات حتى وصل إلى 50 %.
حقق المشروع أرباحا طائلة، انفصل كل منهم بمشروع مستقل مع بقاء الشريك الأعظم، بدأو ببناء معهد أزهرى ابتدائى للبنين ثم البنات ثم إعدادى ثم ثانوى ثم قدموا لإنشاء كلية أزهرية فى القرية فرفض طلبهم لعدم وجود محطة سكة حديد، فقاموا بالتبرع بإنشاء محطة للسكك الحديدية.
ولأول مرة فى تاريخ مصر يتم إنشاء عدة كليات جامعية فى قرية مصرية، وتم عمل مبنى سكنى للطلبة وآخر للطالبات، وتم عمل بيت مال لأهل القرية، فلم يعد هناك فقير فى القرية، وأقام المهندس صلاح عطية مشروعات صغيرة للشباب فى القرية، وتم تجهيز الفتيات اليتيمات للزواج.
هذه القرية المنتجة كانت تصدر الخضراوات للخارج، وفى يوم التصدير يتم إهداء كل مواطن فى القرية كيسا من الخضراوات، فى أول يوم من رمضان يتم عمل إفطار جماعى يشمل القرية كلها بحيث تحضر كل أسرة ما أعدته حسب إمكانياتها ويجلس الجميع للإفطار سويا ومعهم كل الغرباء والضيوف، كرمز للتوحد والتآلف فى هذا الشهر العظيم.
استمر م. صلاح عطية على ذلك، ثم جعل الشريك الأعظم صاحب شركاته، بعد أن أصبح مليارديرا وهو خادم فقط فيها، بنى مئات المعاهد والمساجد وأنفق على آلاف الأيتام، لقد تاجر مع الله حقا.
مشهد (3)
كان د. علاء الرحال استشاريا متميزا فى أمراض الباطنة والقلب، كان يذهب أسبوعيا لعلاج السجناء فى سجن دمنهور سواءً من الجنائيين أو السياسيين، كان يوزع معظم المكافأة التى يحصل عليها على عمال المستشفى والممرضين.
فى أحد الأيام وجد سجينا جنائيا لديه كسور قديمة وقصر فى إحدى الساقين ولا يستطيع المشى، رجاه أن يحضر له جهاز اليزاروف فى السجن لتجرى له الجراحة، وعده بذلك.
ذهب إلى محل المستلزمات الطبية وحكى القصة لصاحبه فقاسمه الأجر والثمن، حيث باعه له بنصف الأجر، أخذه وذهب به إلى المرحوم د. جابر سعد استشارى العظام الذى ذهب به إلى مستشفى السجن وأجرى له الجراحة.
بعد خروجه من السجن ذهب إليه فى عيادته لمقابلته، وكان د. رحال قد نسيه فقال: ألا تعرفنى أنا قصتى كذا، وجئت لأشكرك.
كان الرحال ومعه مجموعة من الأطباء المتميزين منهم د. طارق ميتو، وسامى الكيلانى، وعزت نصيف، وإليكس، وجابر سعد، وشحاتة المسيرى، من المحسنين الكبار للسجناء والمعتقلين، وكانوا من ذوى النجدة والمروءة، وكلهم كانوا بارزين علميا وطبيا وخلقيا، مع أحلى التجارة مع الله وما أربحها.