عاطف عبد الغني يكتب: الدين والسياسة (٥) بهائى ولاّ ماسونى ؟!
قصة البهائيين تذكرني – دائما – بزميل لي في العمل، كان يحرص علي أن يبدي لي صداقته رغم فارق العمر الذي بيننا، أنا أقول كان لأنه الأن في ذمة الله و أنا في حل من أن أذكر اسمه أو صفته سترا عليه في المقام الأول، ثم أنه للحقيقة لم يصرح لي أبدا أنه يعتنق البهائية علي الرغم من أن كلامه، و أفكاره، وبعض أفعاله كانت تشير إلي أنه يؤمن بعقيدة، غير تلك المدونة فى بطاقة هويته، وكان مدون فيها أنه مسلم، لكنه فى الحقيقة كان يجمع فى كلامه بين عقائد الأديان الكتابية الثلاثة (الاسلام والمسيحية واليهودية) علي اعتبار أن مصدرها واحد، و أن أصحاب الأديان يسيئون فهم الأديان الأخري والحكم عليها.
و كان يحفظ آيات من القرآن و أعدادا من الإنجيل والتوراة، و كان يدافع بشدة عن معتقد التثليث و يشرحه علي أنه الوحدانية بعينه، و كان يسرف في استخدام الرموز المسيحية، و كان يتحدث في عقيدة الحلول والاتحاد، و يحاول أن يوضحها لي بأمثلة ساذجة من عينة أن الضوء الصادر عن اللمبة، ليس هو اللمبة لكنه جزء منها!! و كان لا يؤمن بالحساب في الآخرة، و أن الجنة والنار علي الأرض؟! هذه العقيدة التي تشبه فكرة (الكرما) أو عاقبة الأعمال في الفلسفات الصينية والهندية، و أعطاني كتابا لأدرسه عن فلسفة التاو التي وضعها الفيلسوف الصيني «لاوتز» الذى ظهر في القرن السابع قبل الميلاد، وحوّل أتباعه الفلسفة إلي ما يشبه الدين الذى يدعو الي أن أصل الحياة والنشاط والحركة لجميع الموجودات في السماء والأرض تخضع لقانون سماوي أعظم ليس متعاليا علي الموجودات بل هو فيها نفسه، و يدعو أيضا في مبدئه الثاني إلي الاستقبال؛ أي أن الأشياء تستقبل حياتها و نشاطها و شكلها بفضل الاستقبال الذي هو شيء أقرب الي مبدأ وحدة الوجود أو وحدة الخالق والمخلوق (نذكركم بمثال اللمبة).
و نعود إلي زميلي الذي كان ينشد صداقتي و يحاول أن يقنعني بأرائه الغريبة تلك، و فلسفاته التي كنت أري أنها معوجة، و تأويلاته لبعض معاني وآيات القرآن التي كنت أري فيها شططا، و هروبه من أداء الصلوات – رغم حرصه علي ارتياد المزارات و خاصة آل البيت – و كان في هروبه هذا يدعي أشياء كثيرة منها مثلا المرض؛ (أخشي أن أسجد بسبب الجراحة التي أجريتها للمياه البيضاء في عيني)، وكلام من هذا القبيل.
كانت هذه هي أفكار زميلي التي تتسم بالفوضي المنظمة، والتي يكتتفها نسق قد يجذب غير المؤهل أو الذي في نفسه مرض أو في عقله شذوذ، و كنت أجادله – فيما يقوله – الجدال الحسن، و أدعوه الي الاحتفاظ بآرائه و تركي علي ما أعتقد، و لم يكن يزيد لأنه كان – كما قلت – حريصا علي أن يصادفني لأسباب علمها عندالله – لكن الشيء الأهم في هذه الحكاية أن هذا الزميل – كما عرفت من كلامه – كان في شبابه يعاني من التوهان، و كان يبحث عن الحقيقة، لم يكفه ما بين يديه ولكن طمعه قاده الي البحث عن المزيد دون تحصين من النفس الخبيثة، فقادته نفسه إلي الضلال!! و هو نفس الفخ الذي يسقط فيه كثير من الباحثين عن الحقيقة والخلاص و هما بين أيديهم.
و نحن هنا نتحدث عن ضحايا مغرر بهم لا عملاء .. والعملاء لايؤمنون بإله أو دين و يدركون جيدا ما يفعلون طمعا في مغنم دنيوي.
أما زميلى الراحل فقد اكتشفت بعد رحيله وبعد اكتسابى مزيد من المعلومات، والاطلاع أنه كان ماسونيا أكثر منه بهائيا لكنه رحل عن الدنيا بسؤه وسره، أللهم احسن ختامنا.