منال قاسم تكتب: الموهوبون وصناعة المستقبل
من المؤكد أن الموهبة هي استعداد عقلي فطري يولد مع الإنسان، فكما يقول الله سبحانه وتعالى: «يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤتى الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً».
والموهبة كما الحكمة رزق من الله، والهبة تعني العطية من دون مقابل، وقد تكون استعداداً موروثاً في مجال من المجالات الاجتماعية أو العلمية أو الفنية أو الرياضية.
في تقديري أن الموهوبين من حولنا وبين أيدينا كثر، غير أنهم ينتظرون الفرصة التي تظهر فيهم ما لا يراه الآخرون، والتي تستطيع أن تكشف ما لديهم من موهبة، وتزيل ما عليها من ضباب.
والأمر لا يتوقف عند اكتشاف الموهبة وفقط، رغم أهمية ذلك لأنه الخطوة الأولى، إلا أنه من الأهمية ما يمكن أن نسميه «إدارة الموهبة»، لكي تستطيع أن تكمل مشوارها دون تعثر أو ملل أو ميل.
وكم من مواهب أذهلت العالم بما تمتلكه في مراحل حياتها الأولى، ثم تاهت في زحمة الحياة والأحداث، أو ضعفت همتها فلم تجد من يأخذ بيدها، أو غاب عنها الحماس وانطفأت الهمة، أو غلبها التعجل، ففعلت كما فعل الفارس الذي ألهب ظهر جواده بالسياط لكي يسرع، لكن الجواد لم يتحمل بعد أن قطع مسافة قصيرة ثم مات، فلا هو أبقى على حياة جواده ولا بلغ مايريد.
والمواهب التي أبهرت العالم لم تظهر فجأة، ولكن عبر منظومة عمل تملك إرادة الفعل، وحتى لو أخذ ذلك المزيد من الوقت، إلا أن الحصاد لا يقارن بأي بذل مالي أو بدني.
لذلك من الأهمية رعاية الموهوبين، والعناية بهم كمن يعتني بالجواهر الثمينة، والتي لا يزيدها مرور الزمن إلا قيمة
أعتقد أنه من النادر أن تجد إنساناً غير موهوب في جانب من حياته، ولكن الفيصل هو اكتشاف تلك الموهبة وتوجيهها التوجيه السليم، لأن البديل لذلك هو إساءة استخدام ما لديه من إمكانات، فعتاة المجرمين لديهم موهبة ولكنها ضلت طريقها، وساء استخدامها، وعانى الناس من ويلاتها، بل وأصبحت مصدر شقاء لأصحابها، بدلاً من أن تكون سبب سعادتهم.
كما أن اكتشاف الموهبة ليس مهمة مؤسسة بعينها أو هيئة لكنها مسؤولية متكاملة تتضافر فيها كل الجهود، غير أن الدور الأهم يبدأ من الأسرة باعتبارها بيئة الطفل الأولى التي يمكن أن تكتشف ما لديه في مرحلة مبكرة من حياته. وهنا نذكر بالأدوار التي يجب أن يقوم بها الوالدان، والتي لا تقتصر فقط على توفير المتطلبات المادية، فضلاً عن دور التنشئة الأسرية السليمة والتنسيق مع المدرسة التي يجب أن تتبنى شخصية الموهوب لترى النور ، وتبدأ الرحلة الجادة في رعاية الموهوب، بدافع وطني قبل دافع المسئولية المباشرة، وتكتمل المسيرة في مؤسسات التعليم العالي، عبر توفير آليات تساعد على انطلاق الملكات الإبداعية وعرض إنتاجاتهم.
لقد حاولت بعض النظريات العنصرية، أن تربط بين ظهور الموهبة ولون البشرة أو الجنس أو العرق أو طبيعة المناخ، لتهيئة أوضاع تكرس استغلالهم لغيرهم، غير أن الفيصل في تقديري هو توفير البيئة المواتية للإبداع، واكتشاف أصحابه
إن رعاية الموهوبين هي الضمانة الحقيقية للحفاظ على المكتسبات الحضارية للدولة، يعنى أدق أن رعاية الموهوبين هي صناعة المستقبل.