سد النهضة بين “ أزمات العراق” و “المؤامرة الكُبرى”
كتبت: أسماء خليل
إذا تأملنا وبحثنا عن منبع كل المُشكلات التي تواجه الدول العربية؛ حتمًا سنجد خلفها مؤامرات تم افتعالها في الكواليس قبل بدء الأحداث.. إنَّ ما يحدث – في الآونة الأخيرة – حول قضية “سد النهضة” له علاقة وطيدة بما يحدث ب“العراق”.
فتقف سلسلة هائلة من المُعوقات والعراقيل حاجزًا بين العراق وتحقيق أهدافها لإعادة تشكيل نفسها اقتصاديًّا وسياسيًا وعسكريًا؛ لبناء دولة مستقلة ذات هيبة وسيادة، بعيدًا عن الأيادي الأجنبية.
إن كل تلك الملفات الشائكة التي عانت العراق من ويلاتها في السنوات الماضية وما برحت تلاقي المزيد من الضغوطات والتدخلات الأجنبية؛ تجعلها مُكبلة رهينة محبس التبعية السياسية.
كما تشكل أزمة الكهرباء التي عانت منها العراق – وما زالت – واحدة من أكبر التحديات التي تواجه الدولة، لدرجة تحول تلك الأزمة إلى خطر قومي لا يقل عن الأخطار الأخرى المحيطة بالبلاد، رغم امتلاك العراق موارد ضخمة وإمكانات تجعلها في اكتفاء ذاتي دائم.
أزمات متتالية بالعراق
تتعرض العراق لأزمات متتالية – بشكل دائم – وكان آخرها أزمة الكهرباء، وتدور رحى تلك الأزمة بين ثلاث احتمالات، حيث أرجع البعض حدوث الانقطاع المتكرر- وربما الدائم-إلى محاولة بعض المستفيدين تحقيق مكاسبًا مادية من وقود المولدات الأهلية واستبدال الأبراج المتضررة.. وأرجع البعض – ذلك الأمر – إلى تنظيم داعش الإرهابي، حيث يتم تفجير مُتعمد لبعض محطات توليد الكهرباء عن طريق عبوات ناسفة.
كما يوجد مُبرر آخر لذلك التدهور الكبير في ملف الكهرباء، حيث أدى عدم سداد العراق لديون متراكمة – تقدر بمليارات الدولارات – للجانب الإيراني، إلى أن أوقفت إيران إمداد وتزويد العراق بالغاز والكهرباء.
في الوقت الذي تعاني إيران نفسها من أزمة في الكهرباء بسبب العقوبات الدولية المفروضة عليها، وحتى لو أرادت الحكومة العراقية سداد الديون الإيرانية فإنها غير قادرة بسبب العقوبات الأمريكية المفروضة على طهران.
“قمة ثلاثية” أججت المخاوف
كان على دولة العراق خلق حلول بديلة لسد احتياجات شعبها من الكهرباء؛ بمحاولة إيجاد إمدادات لمحطاتها من بلد آخر – غير إيران – وعلى إثر ذلك أعلن رئيس الوزراء العراقي “مصطفى الكاظمي” في أغسطس الماضي عن مشروع الشام الجديد، يتضمن ذلك المشروع تعاونًا ثلاثيًّا بين كل من مصر والعراق والأردن.
وقد تحدث الكاظمي في حوار مع صحيفة “واشنطن بوست” عن عرض العراق لمشروع التعاون وتبادل المصالح الاقتصادية المشتركة على قادة مصر والأردن أثناء القمة الثلاثية بين الرئيس السيسي والملك عبدالله ورئيس الوزراء العراقي في عمَّان، ويركز المشروع على التعاون بين الدول الثلاث، فالعراق الغني بالنفط يمد الأردن ومصر باحتياجاتهما من النفط عبر أنبوب يمتد من البصرة إلى العقبة ثم إلى السويس، وقد يستكمل ليصل أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط،،
ويكون مقابل ذلك، أن تمد مصر العراق بالكهرباء عبر شبكة الربط الكهربائي مع الأردن، وتعزيز مشاريع الطرق والنقل البري بين الدول الثلاث، والتعاون في مشاريع الاستصلاح الزراعي بالعراق الذي يمتلك مساحات واسعة من الأراضي الخصوبة التي تنتظر من يزرعها، وإعادة تأهيل المصانع العراقية المتوقفة من قبل الشركات والخبرات الفنية المصرية والإدارية الأردنية، مع تسهيل انتقال الأيدي العاملة المصرية المدربة إلى الأردن والعراق، وبناء مدن صناعية ومناطق تجارة حرة بين الدول الثلاث.
عراقيل بطريق المشروع
تأتي مشكلة “سد النهضة” الخاصة بالجانب المصري، كواحدة من أهم معوقات مشروع الشام الجديد ويخل بشروطه، إذ أن ملء سد النهضة من قبل إثيوبيا يعمل بدوره على تأثر سد أسوان من حيث إنتاجه للكهرباء.
قال المهندس “عبد النبي عبد الغنى” رئيس مجلس إدارة شركة المحطات المائية لإنتاج الكهرباء شركة كهرباء السد العالي: “ إنَّ الملء الثاني لسد النهضة والتي بدأت إثيوبيا به بالفعل في مطلع الشهر الجاري سيوثر بشكل مباشر علي إنتاج محطة السد العالي للكهرباء قد تصل إلى 30% من إجمالي الإنتاج، لكن النسبة ليست ثابتة، فهي مرشحة للزيادة والنقص، والقاعدة التى نعمل عليها حسابيا أن المليار متر مكعب من حصة مصر يعطى إنتاجية طاقة بمقدار 2% بما يعنى أن انخفاض مليار متر من الحصة المقررة يقلل 2% من قدرات توليد الكهرباء” .
وواصل عبد الغني : “بالأرقام منسوب المياه في بحيرة ناصر خلف السد إذا تراجع إلى 159 مترا فستنخفض الطاقة المولدة حوالى 30%، وإذا وصل المنسوب إلى 149 مترا، فإن تشغيل المحطات سيكون غير مُجدى، ومن الأفضل ألا نعمل لأنه سيكون على حساب المعدات” .
وتابع عبد النبي قوله أن هذا النقص في إنتاج الكهرباء سيوثر بشكل مباشر علي مشروع الشام الجديد وسيؤدي إلى فشله والإخلال بشروطه لعدم وجود فائض من الكهرباء لإرساله للعراق وإتمام المشروع ”.
جهات مُستفيدة
إنَّ الفائدة التي ستعود على بعض القُوى الأجنبية من عدم إتمام ذلك المشروع التعاوني الثلاثي، تجعلها تتسبب في فشل مشروع الشام الجديد، فتحقيق مصالحها سيقف حجر عثرة أمام التنفيذ، وحاولت تلك القوى وتحاول تحقيق ما تريد مرورًا بتدمير سوريا وتفتيت العراق، وصولًا لخراب مصر.
فيمكن القول إن إثيوبيا ليست إلا مجرد أداة للتأثير على مصر والتحكم بها بغرض إخضاعها، لأن مصر بثقلها ومكانتها تقف حاجزًا أمام المشروع الصهيوني في المنطقة، وستظل القوى التى تدعم هذا المشروع تتربص بمصر ولن تتوقف عن حيك المؤامرات سعيا منها لأن يحل الخراب المُحقق بمصر.
فقد ضاعت الدولتان الأهم في المنطقة، ولا يوجد سوى مصر، التى ستكون أهلا لمواجهة المؤامرات والتصدي لها.
علاقة إسرائيل بالشرق الأوسط
تتبع واشنطن سياسات تتعلق بمنطقه “الشرق الأوسط”، وليس هناك من شك أن لإسرائيل اليد الطولى في رسمها وفقا لمصالحها الاستراتيجية، مدعومة من الإدارة الأمريكية.
كما أن تركيا – أيضًا – ساهمت في تمويل السد الإثيوبي ليست وفقا لقراراتها الذاتية، إن لم يكن على الأقل بضوء أخضر أمريكي وبتنسيق إسرائيل؛ لأن الهدف الإسرائيلي هو عدم السماح لهذا البلد أن يعود إلى ممارسة دور عربي وإقليمي، وأن تفتيت العراق هو أهم بكثير من تفتيت سوريا وذلك لأن العراق أقوى من سوريا.
كما صرح مصطفى الفقي، الدبلوماسي المصري السابق ورئيس مكتبة الإسكندرية، بأن إسرائيل لها تأثير على ملف سد النهضة لأنها تحلم أن تكون إحدى دول مصب نهر النيل منذ عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات، مضيفًا أنّ على مصر اللجوء إليها في ملف السد للضغط على إثيوبيا..وأيّد عدد من الكتاب تصريحات تشير إلى تواطؤ إثيوبيا لتحقيق أهداف إسرائيل “من أجل تركيع القاهرة”