محمد الحنفي يكتب: إلا “سكون” القلب !
الكاتب الكبير محمد الحنفي، من الكتاب الذين يجيدون اختيار القضايا والموضوعات التى يتناولونها فى مقالاتهم، وبمشرط جراح قلب ماهر يخرجون قلب المريض المعطوب (موضوع الجراحة) ويتعاملون معه لإصلاحه، ولم نجد فى أذهاننا تشبيه يفى بغرضنا فى الإشادة بمهارة الحنفى، وتواضعه أمام قارئه إلا هذا المثل، وهو أقرب لموضوع مقاله التالى المهم، المنشور فى مجلة المصور، هذا الأسبوع، ويتناول فيه ظاهرة يراها المصريون الآن أنها علامة من علامات “يوم القيامة”.. ظاهرة موت الشباب بالسكتة القلبية، التى يتناولها المقال فى التالى وهذا نصه:
كل”سكون” في الكون محبوب إلا سكون القلب .. نعم ..إلا سكون القلب !! فإذا سكن أو سكت القلب فجأة بلا مقدمات وتوقفت دقاته و نبضاته .. سيغادر صاحبه الحياة !
ما أكثر حالات الموت المفاجئ هذه الأيام لا سيما بين الشباب أو من هم دون الأربعين .. فبدون أي مقدمات يرحل عن عالمنا عزيز وغالي من أهلنا أو أصدقائنا أو زملائنا فجأة ، وهو في كامل صحته ونشاطه ، بلا شكوى أو معاناة من مرض ، وسط دهشة كبيرة وتساؤلات كثيرة عن أسباب الوفاة هذا الأمر دفعني للبحث عن أسباب الموت المفاجئ نتيجة السكتات القلبية ، الذي وضعته منظمة الصحة العالمية في المركز الأول بقائمة أسباب حدوث الوفاة حول العالم، بنسبة مرتفعة وصلت إلى 14% من إجمالي الوفيات البالغ55,4 مليون وفاة سنويا، وفق أحدث تقرير ( يموت من مصر بالسكتة القلبية المفاجئة 100 ألف مواطن سنوياً )، بل توقعت المنظمة أن يستمر مرض السكتة القلبية في احتلال المركز الأول لحصد الأرواح حتى عام 2030 !
ما أقسى هذا الموت الذي استعاذ منه النبي محمد صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح رواه مسلم عنْ عبد اللّه بن عُمر رضي الله عنهما قال : كان منْ دُعاء رسُول اللّه صلّى اللّهُ عليْه وسلّم: «اللّهُمّ إنّي أعُوذُ بك منْ زوال نعْمتك، وتحوُّل عافيتك، وفُجاءة نقْمتك، وجميع سخطك » .
والسبب فى استعاذة النبى –صلى الله عليه وسلم- من موت الفجأة أن الإنسان لا يستطيع معه التوبة عن فعل المعاصي والذنوب التي ارتكبها فى دنياه، أو قضاء ما عليه من حقوق للعباد أو لله تعالى، أو الاستزادة من فعل الخيرات والأعمال الصالحة !
لا شك أن هناك أسباب طبية وراء السكوت المفاجئ للقلب ،وهناك أيضا نصائح طبية لتجنبه ، لهذا توجهت بالسؤال إلى الصديق العزيز “بروف ” القلب الشهير الدكتور “جمال شعبان” عميد معهد القلب السابق عن أسباب هذه الظاهرة المرضية المؤلمة والقاتلة فأجاب بأسلوبه السلس عن كل ما يتعلق بها في السطور التالية :
السكتة القلبية تعني توقف القلب عن العمل أو الخفقان أو الضربات، بصورة مفاجئة وغير متوقعة، يعقبه توقف حركة الدم إلى أجزاء الجسم، هذا الدم يحمل الأكسجين والغذاء، وبالتالي تتوقف تغذية خلايا الجسم بعناصر الحياة، وفي هذه اللحظات يمكن أن تموت بعض خلايا المخ بسرعة، وتتدهور حالة المصاب بصورة خطيرة، ما يؤدي إلى الوفاة، فالقلب مضخة كهربائية أساسية في الجسم، هذه المضخة تولد الكهرباء التي تعمل على تنظيم ضربات القلب، والدم يندفع من خلال صمامات القلب إلى جميع أجزاء الجسم، وفي حالة إصابة عضلة القلب وتعطلها عن العمل، يفشل النظام الكهربائي ككل، ويؤدي إلى توقف وظائفه ، ويعقبه توقف النبض إشارة إلى أن المصاب قد فارق الحياة بصورة مفاجئة !
هذا العضو الذي بحجم قبضة اليد يتراوح طوله في الإنسان البالغ بين 10 – 15 سم (في الغالب 12 – 13 سم). ويبلغ وزنه عند المرأة بين 250 – 300 جرام، ويزن عند الرجل بين 300 – 350 جرام ، يُعد معجزة الخالق سبحانه وتعالى دون شك ، فهو يدق 72 مرة فى الدقيقة ، 100 ألف مرة فى اليوم ، 3.6 مليون مرة فى السنة، و2.5 مليار مرة خلال العمر.
والقلب السليم يضخ 2000 لتراً من الدم من خلال 78000 كيلو مترا تقريباً من الأوعية الدموية كل يوم.
ويبلغ حجم الدم الذى يضخه القلب من 5 إلى 30 لترا فى الدقيقة ، وخلال العمر، يضخ ما يقرب من 1.5 مليون برميل من الدم بما يكفى لملء 200 خزان. ولأن القلب لديه دفعة كهربائية خاصة به، يمكنه الاستمرار فى الضخ حتى عندما يتم فصله عن الجسم، طالما أن لديه إمدادات كافية من الأوكسجين.
ولكن يبقى العمر نبضة ، ويبقى اختلال كهربا القلب السبب لوباء العصر ، فلا يمر يوم دون أن يصدمنا خبر برحيل أعزاء على قلوبنا بأزمات قلبية مفاجئة فمنذ أسابيع فقدت كلية طب القاهرة ومصر والإنسانية “بروف” يحيي طراف جراح العظام بسكتة قلبية ومن قبله الصحفي نبيل سيف رحمه الله الذي مات فجأة وهو نائم ! والسبب غالبا اختلال مفاجئ في كهرباء القلب !
إن كهرباء القلب هي المنظومة التي تتحكم فى إيقاعه وانتظام ضرباته، حيث ينقبض بمعدل من 60 إلى 100 مرة فى الدقيقة، وحتى يتحقق هذا المعدل المنتظم لا بد أن تصدر إشارة كهربية من مجموعة من الخلايا تقع فى أعلى الأذين الأيمن ، يمكن تشبيه دورها بدور المايسترو الذي يحكم إيقاع القلب، ثم يحدث التتابع فى تنشيط القلب الكهربي بنسق ثابت لانتقال الموجات الكهربية من الأذين الأيمن إلى الأذين الأيسر ثم إلى البطين الأيمن والأيسر.
وغالبا ما تحدث مشكلات نظم القلب (اضطراب نظم القلب) عندما لا تعمل النبضات الكهربائية التي تنسق نظم قلبك على نحو صحيح؛ الأمر الذي يسبب خفقانه على نحو سريع جدًا، أو بطيء جدًا أو غير منتظم.
قد يبدو اضطراب نظم القلب وكأن هناك خفقان أو رفرفة أو ضربة ساقطة أو تسارع في نبضاته، وقد يكون غير ضار. ومع ذلك ، قد تتسبب بعض أنواعه في علامات وأعراض مزعجة قد تصل إلى حد تهديد الحياة في بعض الأحيان.
يمكن علاج اختلال كهرباء القلب بالسيطرة على النبضات السريعة أو البطيئة أو غير المنتظمة. بالإضافة إلى ذلك، فقد نتمكن من الحد من خطر اضطراب نظم القلب عن طريق تبني نمط حياة صحي للقلب.وعليكم أيضاً أن :
توقفوا عن التدخين ،اتبعوا حمية غذائية صحية ، خفضوا من نسب الكولسترول في الدم ، خفضوا ضغط الدم ، مارسوا الرياضة يومياً ، حافظوا على وزن صحي ، لا تهملوا علاج مرض السكري !
وقد لا يسبب اضطراب نظم القلب أي علامات أو أعراض في الواقع ، ربما يكتشف طبيبك أنك مصاب باضطراب نظم القلب خلال الفحص الروتيني قبل أن تكتشف أنت ذلك، ومع هذا فإن العلامات والأعراض التي يمكن ملاحظتها لا تعني بالضرورة أنك تعاني مشكلة خطيرة.
تشمل أعراض اختلال كهرباء القلب الملحوظة خفقانًا في صدرك ، ضربات قلب متسارعة أو بطيئة ، ألم بالصدر ، ضيق النفس ، دوار أو دوخة، عرق الغزير ، وأحيانا الإغماء أو ما يشبه الإغماء .
فإذا شعرت ببعض تلك الأعراض اطلب الإسعاف “١٢٣” فوراً !
علينا أن نعلم أن الذبذبة البطينية أخطر أنواع عدم انتظام ضربات القلب وقد تكون مميتًة. يحدث ذلك عندما ينبض القلب نبضات كهربائية سريعة وغير منتظمة. وهذا يجعل غرف الضخ في قلبك (البطينين) ترتجف بشكل عديم الفائدة بدلاً من ضخ الدم. وبدون ضربات قلب فعالة، ومن ثم ينخفض ضغط الدم، وتنقطع إمدادات الدم عن أعضائك الحيوية.
واعلم أن الشخص المصاب بالذبذبة البطينية سوف ينهار في غضون ثوان وسرعان ما ينقطع تنفسه أو لن يكون لديه نبض. في حالة حدوث ذلك، اتبع الخطوات التالية:
• اتصل على ١٢3أو بهاتف الطوارئ الموجود بمنطقتك.
• إذا لم يكن هناك قريب مدرب على الإنعاش القلبي الرئوي (CPR)، قدم يد المساعدة فقط بالإنعاش القلبي الرئوي (CPR). وهذا يعني الضغط على الصدر بصورة غير متقطعة بمعدل 100 إلى 120 دقيقة حتى وصول المسعفين. للقيام بضغط الصدر، ادفع بشدة وسرعة في وسط الصدر. ليست هناك حاجة إلى عمل تنفس إنقاذ.
• إذا كنت أنت أو أي شخص قريب يعرف الإنعاش القلبي الرئوي (CPR)، فابدأ في تقديمه إذا كان ضروريًا. قد يساعد الإنعاش القلبي الرئوي في الحفاظ على تدفق الدم إلى الأعضاء حتى يمكن إعطاء صدمة كهربائية (إزالة الرجفان).
• تعرَّف على ما إذا كان مزيل الذبذبة البطينية الخارجي الآلي (AED) متاحاً في مكان قريب أم لا. وتتوفر أجهزة تنظيم ضربات القلب المحمولة — والتي يمكن أن تقدم صدمة كهربائية من شأنها أن تعيد تشغيل ضربات القلب — في أعداد متزايدة من الأماكن، كما هو الحال في الطائرات وسيارات الشرطة ومراكز التسوق .
وبعيدا عن جو التشاؤم أبشر بحدوث طفرة كبيرة فى البرمجيات المستخدمة فى تشخيص اختلال كهرباء القلب، سواء بالطرق غير الإختراقية أو الطرق النافذة، عن طريق قسطرة كهروفسيولوجيا القلب.
فجهاز الهولتر الذى يقوم برسم القلب المستمر ولمدة 24 ساعة فى الأنظمة التقليدية ثم زيادة قدرته على التسجيل، فأصبح بالإمكان تسجيل نبض القلب واستدعاء أدنى خلل فى كهرباء القلب، وأمكن التواصل إلكترونياً عن طريق المحمول والأقمار الصناعية بنقل رسم القلب فى لحظة حدوث أى خلل فيرسل عبر البريد الإلكترونى إلى الطبيب المعالج أو إلى المستقبلات المركزية التابعة للشركات عابرة القارات لأجهزة منظمات القلب الكهربية عبر العالم، فأصبح المريض فى عصر القرية الإلكترونية الكونية الصغيرة مريضاً «عولمياً» يمكن تسجيل بياناته وتداولها بين المتخصصين، وقد ساعدت هذه الطفرة فى الاتصالات إلى الاكتشاف المبكر لاختلال كهرباء القلب خاصة للمرضى الأكثر عرضة للسكتة القلبية المفاجئة، ويمكن الآن تسجيل مؤشرات أخرى مثل التباين فى «QT» فترة الجهد الكهربى للبطين والتباين فى معدلات القلب والتباين فى موجات «T» التذبذب فى معدل القلب بعد الضربات البطينية الزائدة وكلها تسهم فى الوقاية من أزمات القلب الحادة والسكتة القلبية المفاجئة.
كما تم تطوير خاصية تسجيل الضغط الوتدي الرئوي الذي يمثل الارتفاع الطفيف في قيمته الإنذار المبكر لاختلال وظيفة البطين الأيسر الانقباضية، ومن ثم توقع الهبوط القلبى الحاد فى المستقبل القريب الذي يتم تسجيله وبثه إلكترونياً، بينما المريض فى غرفة نومه، إلى البريد الإلكترونى للطبيب المعالج ليقوم بالعلاج الدوائى بسرعة. كما تم أيضاً تطوير الجيل الثالث من منظمات القلب الكهربية التى انتقلت بوظيفة منظم القلب الكهربى من مجرد جهاز يتعامل مع نبض القلب المتباطئ أو كهرباء القلب المتناقصة على حاسوب عالي التقنية يتناغم مع كهرباء القلب فى حجرات القلب المختلفة، ويسترجع التناسق للمنظومة الكهربية الذي يعترى كهرباء القلب فى حالات تمدد “وهن” عضلة القلب وهبوط القلب الاحتقانى ، فيساعد على تحسن انقباض عضلة القلب ويزيد قدرته على ضخ الدم فى الدورة الدموية وتراجع أعراض هبوط القلب.
وتم أيضاً استحداث وسائل علاج كهرباء القلب وتشمل نظام تصوير القلب الكهربى ثلاثي الأبعاد بدون أشعة إكس التقليدية التي قد يكون لها آثار جانبية على الطبيب والمريض على حد سواء، وبتطوير هذا النظام أمكن تكوين صورة تشريحية مجسمة ثلاثية الأبعاد متعددة الألوان وفقاً للنظام الكهربى فى قلب المريض، وبتفاصيل غاية فى الدقة تمكن من تحديد البؤرة الكهربية الشاذة أو الضفيرة الكهربية الزائدة، وبإدماج صورة الكارتو مع صورة القلب بالرنين المغناطيسى أو أشعة الكومبيوتر المقطعية، بالإضافة إلى تخطيط القلب السطحى أو من داخل قلب المريض ويتوفر لدى طبيب القلب شاشة «LCD» كبيرة تحتوى كل هذه الصور فى نفس التوقيت !
وقانا الله وإياكم شر سكون القلب أو سكوته .. ونعوذ بالله من موت الغفلة !