طارق متولي يكتب: مأساة خادمة
أتت من الريف فتاة صغيرة يتيمة، أحضرها أحد أقاربها لتعمل عند أسرة فى المدينة وتعيش معهم، بعد أن فقدت أبويها ولم يكن لها إخوة أو أخوات .
عملت لدى هذه الأسرة منذ أن كان عمرها تسع سنوات وكانت ربة الأسرة سيدة محترمة تعاملها معاملة حسنة، وتطعمها وتكسوها، وتخصص لها فراش للنوم فى أحد زوايا المنزل مقابل عملها، وقليل ما كانت تعطيها مصروف بسيط لتشترى حاجة لها.
كانت سعاد لا تعرف من الدنيا سوى هذه العائلة صاحبة المنزل وزوجها وابنهما الوحيد الذى ساهمت سعاد بجزء كبير فى تربيته ورعايته.
ومنذ أن كان الابن طفلا حتى كبر وتخرج فى كلية الطب لم تتزوج سعاد، وظلت كل حياتها تعمل فى هذا المنزل، وتعتبر نفسها جزء من العائلة وهم يعتبرونها كذلك أيضا لأمانتها وعملها الدؤوب فى نظافة المنزل وصنع الطعام وشراء الطلبات من السوق.
تمر السنوات وتكبر صاحبة المنزل وزوجها وينتهى الابن من تعليمه، ويصبح طبيبا، وتكبر سعاد أيضا، ومع تقدمها فى السن تستمر فى خدمة أهل المنزل والقيام بكل ما يتطلبه عملها من تنظيف وخدمة رغم الإرهاق الشديد الذى كانت تشعر به فهى لم تعد شابة قوية كما فى السابق ولكنها كانت تتحمل فى سبيل خدمة أصحاب المنزل الذين وفروا لها المأوى والعيش.
ويتولى مرور الزمن والأحداث وتتوفى صاحبة المنزل وزوجها وحزنت عليهما سعاد حزنا كبيرا، واستمرت مع الأبن تخدمه لكن بعد فترة قصيرة يتزوج الابن الطبيب فى نفس المنزل وتزداد سعاد ضعفا، ويقل مجهودها وعملها وتبدأ فى المعاناة من بعض المشاكل الصحية حتى ضاق الابن، بسعاد ومرضها وقلة فائدتها فقرر فى النهاية الاستغناء عنها.
جلست سعاد أمام مبنى المنزل لا تعرف أين تذهب فهى لا تعرف أحد فى المدينة سوى هذه العائلة وقد انقطعت صلتها بأقاربها وأبناء بلدتها فى الريف منذ سنوات عديدة وليس لها أحد تذهب إليه، وقضت سعاد ليلتها الأولى – خارج الشقة التى عاشت فيها عمرها – أمام باب العمارة
أهل الحى يعرفونها واختبروا طيبتها وأخلاقها طوال سنوات عملها فلما وجدوها على هذا الحال، وعرفوا أن الابن قد استغنى عنها بعد كل هذه السنوات تبرع أحدهم ومنحها غرفة كانت مغلقة فى عمارة يملكها لتأويها، فكانت تعيش فيها على ما يجود به أهل الخير من صدقات مال أو طعام، ثم لم تلبث أن توفت ربما متأثرة بمرض فى جسدها زادته حسرة فى نفسها.
وربما لأنها خادمة لم ينتبه إلى مأساتها أحد، ولم يتحدث عن حقوقها أحد، ولم يجد الابن أى غضاضة فى الاستغناء وعنها وإلقائها فى الشارع بعد كل سنوات عمرها التى قضتها تخدمه هو وأبويه.