أسماء خليل تكتب: الإنسان في خدمة الآلة
حينما قامت الثورة الصناعية بفرنسا، في الفترة ما بين القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر؛ حلَّت الآلة محل الإنسان، وتم الاستغناء عن الورش الصغيرة ومنتجات العمل اليدوي، فبات العمال في ضجر مما يحدث.
ومن ثم، بدأ كارل ماركس بتقديم مصطلح البروليتاريا، حيث يشير فيه إلى الطبقة التي ستتولد بعد تحول اقتصاد العالم من اقتصاد تنافسي إلى اقتصاد احتكاري، ويقصد كارل ماركس بالبروليتاريا الطبقة التي لا تملك أي وسائل إنتاج وتعيش من بيع مجهودها العضلي أو الفكري.
ومابرحت الوسائل التكنولوجية في استحداث يومي يجعل الروبوت والأجهزة تشغل الحيز الذي كان يشغله الإنسان؛ فباتت البطالة تضرب العالم، وأضحينا نسمع في أكثر مناطق العالم تقدما كأمريكا ودول أوروبا- بشكل يومي- عن ترك مواطنين لوحداتهم السكنية لأنهم لا يجدون عملًا؛ وبالتالي يعجزون عن دفع الإيجارات.
حقًّا.. فليذهب التقدم التكنولوجي إلى الجحيم.. فقد تسبب في زيادة الانبعاثات الكربونية والغازات السامة والاحتباس الحراري.. وازدادت البطالة، وتأثرت كل المهن والحرف، بل والأماكن الوظيفية الحكومية؛ فذلك النجار الذي كان يقطع الأخشاب بنفسه وينحت الأثاث ويجمله بقطع فنية من الأرابيسك، أصبح من يقوم بعمله هي الآلات الحديثة من منشار الشريط، و ماكينة النحاتة، وماكينات القطع، والكمبروسر….. إلخ..
ذلك العمل الذي كان يقوم به عشرة أشخاص أصبح عامل واحد فقط يقوم به، بأن يقف جوار الآلة لفتح وغلق مفتاح التشغيل، حتى المهن التي كانت باحتياج ماس للعمالة طالها ما طال جميع الحرف، فالوحدة السكنية التي كانت تحتاج لمائة عامل لتسليمها لصاحبها، أصبح تشطيبها يتم بواسطة بضع أفراد، فبدلَا من “البلاط” الذي كان يقوم على رصه بفن هؤلاء الصناع المهرة؛ أصبحت هناك مادة ملونة يتم فردها بالأرضيات وفي وقت قليل تعطي أشكال 3d، حتى أعمال البياض وغيرها، أصبحت هناك آلة واحدة يستخدمها شخص واحد تقوم بعمل كل شيء.
هؤلاء الموظفين الذين كانوا يقومون على أشغال المؤسسات الحكومية؛ أصبح حاسوبًا واحدًا بكل حجرة قائم عليه موظف واحد فقط باستطاعته إنجاز كل عمل السكرتارية.
أين “الخيَّاطة” التي كانت بكل شارع، وتستطيع تلك المرأة بممارستها لهذه المهنة أن تسد ذريعة عوز أسرتها حين الحاجة؟!..أين “الترزي”؟!.. أين “ استديوهات التصوير” التي كان يعمل بها مئات الشباب؛ لقد حل محلها “صور السلفي” بـ“الموبايل فون”.
أين الفلاحين الذين كانوا يعملون كل شيء بأنفسهم، ويقوم جميع أبناء القرية بالفلاحة أثناء إجازات المدارس والجامعات، ما يساعدهم على تنشيط الدورة الدموية والاستفادة بآشعة الشمس حيث إمداد الجسم بالفيتامينات، وكذلك بناء شخصياتهم.. لقد بات هذا المشهد مألوفَا لدينا، قطعة أرض كبيرة وفلاح واحد فقط يتبع ماكينة لحرث الأرض وغرس البذور.
أين الكتب والجرائد الورقية التي كانت تصدر من المطابع القائم عليها آلاف العمال، إنها الآن في الرمق الأخير..
غدًا سيكون هناك “التطبب عن بعد”، و“التعليم عن بعد”، كما أصبح مجرد حديث الناس للاطمئنان على بعضهم عن بعد..
وحينها سيقوم الإنسان.. بخدمة الآلة.