طارق متولي يكتب: ثقافة “العيش”
العالم يتطور بسرعة كبيرة فى جميع المجالات ونحن للأسف لازلنا نركض خلفه ولا نلحق بالتطور الحاصل بسبب تمسكنا بالطرق والعادات القديمة فى حياتنا.
وعلى سبيل المثال نحن مازلنا فى مرحلة التحول الرقمى، واستكمال تشييد البنية الأساسية من الماء والكهرباء والصرف الصحى.
تخيل ونحن فى القرن الواحد والعشرين لازال لدينا مناطق فى قرى ومحافظات لايوجد بها صرف صحى، وطرق مرصوفة، وماء نظيفة وكهرباء.
وقد بدأت الدولة فى السنوات الأخيرة بإقتحام كل هذه المجالات للنهوض بهذه الدولة من التأخر الكبير الذى تراكم على مدار سنوات وأصبح جبل هائل يفصل بيننا وبين العالم المتحضر، وهذا الجبل بالطبع يحتاج لجهد جبار لإزالته والعبور إلى الجانب المتقدم للحضارة.
لكن الدولة وحدها ممثلة فى الحكومة مهما أوتيت من قوة لن تستطيع عمل ذلك بمفردها، فلابد من تضافر جهود جميع أفراد الشعب، وإحساسهم بالمسؤولية، والوعى بضرورة المساعدة كل حسب موقعه وحسب استطاعته.
المهم أن يكون لدينا هذا الوعى وهذه الإرادة فى المشاركة فى النهوض وتحمل مشاق الوصول للهدف.
من ضمن المجالات التى تطور فيها العالم بشكل كبير، مجال النظام الغذائي وجودة الغذاء من حيث الكم والكيف، ففى أمريكا مثلا تغيرت كثير من عادات الطعام لدى الأمريكان، وأصبح لديهم وعى بالطعام الصحى، وأقلع كثير منهم عن تناول الأطعمة المشبعة بالدهون والسعرات الحرارية العالية، وكذا أقلع الكثير منهم عن التدخين على سبيل المثال.
ونحن مازلنا نمارس ثقافتنا القديمة فى الطعام والتدخين والحياة التى أثبت العلم خطورتها على صحة الإنسان، مثل ثقافة العيش أو الخبز، وتقريبا نحن الشعب الوحيد على مستوى العالم الذى يأكل كمية كبيرة من العيش المعروف باسم ( بيتا بريد pita bread ) أو الخبز المصنوع من دقيق القمح والردة، نأكله تقريبا وبكميات كبيرة فى جميع الوجبات فطار وغذاء وعشاء وهو يحتوى على كمية كبيرة جدا من السعرات الحرارية تقريبا ٣٠٠ سعر حرارى لكل ١٠٠ جرام.
يعنى حضرتك لو بتاكل ثلاثة أرغفة فى اليوم تكون قد حصلت على نصف ما تحتاجه أو أكثر من السعرات الحرارية من خلال مكون واحد وهو رغيف الخبز، وإذا أضفت له بقية المأكولات والمشروبات والعصائر بالطبع ستتخطى الحد المسموح للسعرات الحرارية بكثير وهذا سبب لكثير من المشاكل الصحية والسمنة.
وإذا نظرنا إلى بقية شعوب العالم النشيطة والتى تتمتع بصحة جيدة لوجدنا أنها تأكل أقل كمية ممكنة من الخبز، وذلك فى الصباح غالبا ولا يأكلونه مع الغذاء أو العشاء، وذلك فى أمريكا وأوروبا ودول شرق آسيا فهم يعتمدون أكثر فى وجباتهم على الأرز والخضروات مع كميات قليلة من اللحوم والدواجن والأسماك.
ونحن نجد فى جميع الوصفات والنصائح الصحية للأطباء وخبراء التغذية للمرضى الذين يعانون من السمنة أو الأمراض المزمنة التأكيد على تناول الخضروات والإبتعاد عن أكل الخبز والنشويات، وإذا لزم الأمر فيسمح بأكل ربع رغيف فقط مع وجبة الإفطار.
أخبرنى أحد الأطباء فى يوم أن الإنسان يستطيع أن يعيش على نصف رغيف فى اليوم نصف رغيف فقط ويستطيع اى شخص أن يسأل طبيب يعرفه، فلن ينصحه أبدا بأكل كمية كبيرة من الخبز حتى ولو كانت رغيف خبز واحد لكنها العادات الخاطئة التى تعودنا عليها للأسف من الإكثار من الطعام كل الطعام والإسراف فى تناوله والذى يؤدى بالطبع إلى العديد من المشاكل الصحية.
ولو عدنا لأحاديث النبى صل الله عليه وسلم لوجدنا حديث (جوعوا تصحوا) الذى يربطه الناس بصيام شهر رمضان فقط وهو قاعدة عامة فى كل وقت أيضا حديث (ما ملء ابن آدم وعاء شر من بطنه فإن كان لابد فاعلا فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه )، لكننا نأكل ونشرب حتى لا يبقى مكان للنفس أو لأى شىء آخر ثم نشكو من الحموضة وسوء الهضم والتعب والإرهاق ونتسائل عن السبب بكل بساطة وكأننا لم نفعل شىء .
هذا الكلام بالمناسبة ليس له علاقة بالغنى أو الفقر، ولكن له علاقة بصحة الإنسان التى تتكلف أكثر بكثير من تكلفة الخبز.