لواء دكتور/ سمير فرج يكتب: قلبي معاك يا وزير الآثار
الدكتور خالد العناني، وزير السياحة والآثار، شخصية متفردة في الفكر، ومتميزة في العمل، مما أكسبه ثقة، واحترام، الشارع المصري، في فترة وجيزة، عن استحقاق. وهو ما دفعني لكتابة السطور، التالية، بعد الانتهاء من “الموكب الملكي” لنقل المومياوات الملكية من المتحف المصري بالتحرير إلى متحف الحضارة الجديد بالفسطاط، ذلك الاحتفال الأسطوري الذي حظي بالانتباه والإشادة المحلية والدولية، وكنت واحداً ممن خصصوا مقالاً سابقاً للثناء عليه، والفخر بأن أكون أحد أبناء هذا البلد.
لقد خرج الاحتفال في صورة أبهرت العالم بأسره، بعدما تابعوا تغطيته الإعلامية على مختلف القنوات الفضائية، وتلقينا جميعاً، وأنا منكم، العديد والعديد من المكالمات الهاتفية والرسائل، من أصدقاء أجانب، تشيد بعظمة مصر وتاريخها القديم، وبروعة الحدث من حيث التنظيم والإدارة، الذي خرج في تلك الصورة الحضارية، رغم صعوبة الظروف، التي تمر بمصر، والعالم أجمع، نتيجة جائحة كورونا. لم تقتصر الفرحة والإشادة على الأجانب، بل سبقهم إليها المصريون، الذين زلزلوا الأرض بفخرهم واعتزازهم بانتمائهم لهذا البلد العظيم.
لقد بعث ذلك الاحتفال بالكثير من الرسائل المحلية والدولية التي لم تفت على المتلقي، كان أهمها، من وجهة نظري، التأكيد على أن مصر بلد الأمن والأمان، بعدما نجحت في القضاء على الإرهاب، كما أكد للعالم على عظمة المصريون، وقدراتهم، فرغم ما تفرضه جائحة كورونا من قيود، إلا أننا تمكنا من تنظيم وإدارة هذا الحدث العالمي، دونما إخلال بالإجراءات اللازمة، مستخدمين أحدث مفردات العصر، سواء في تكنولوجيا الصوت أو الإضاءة أو الإخراج، فتناقلت جميع وسائل الإعلام العالمية، تفاصيل الحدث، بكثير من الإشادة، والانبهار، لنذكر العالم، مرة أخرى بعظمة الحضارة المصرية القديمة، وهو ما مثلّ دعاية عظيمة لمصر، سعت إليها الوكالات العالمية، لتثبت مصر قدرتها على تحدث بلغة الإدارة والتسويق والترويج الحديثة، التي تجيدها أكثر الدول تقدماً.
أما فيما يخص متحف الحضارة بالفسطاط، فقد شرفت بزيارته، في الأسبوع الماضي، تلبية لدعوة السيد الدكتور خالد العناني وزير السياحة والآثار، ضمن عدد من السادة الوزراء، والسادة أعضاء مجلسي النواب والشيوخ، والسادة رجال الإعلام ومجموعة من الفنانين والفنانات، للاستمتاع بجولة خاصة، وافتتاح قاعة عرض المومياوات الملكية تزامناً مع الاحتفال بيوم التراث العالمي، فكانت فرصة عظيمة للاطلاع على نشأة التاريخ في تسلسل لتطور الحضارة المصرية، بدءاً من أدوات الصيد التي استخدمها المصري القديم، وأقدم ساعة في التاريخ، والأدوات القديمة التي ابتكرها في شتى المجالات، ومقياس النيل، الذي كان يحدد ارتفاع مياه النهر للإنذار بالفيضان. كما تابعنا إبداع المصري القديم في تطوير الطراز المعماري، ومررنا في جولتنا على كسوة الكعبة التي كانت تصنع في مصر، وترسل إلى مكة المكرمة.
ثم حانت لحظة افتتاح قاعة المومياوات الملكية التي تضم 22 مومياء لملوك وملكات مصر، الذين استقبلهم السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، قبلها بأيام، أثناء الاحتفال بالموكب الذهبي، وتم إدخالهم للقاعة، وتولى فريق من الأثريين والمرممين بالمتحف تهيئة هذه المومياوات للعرض، فتم وضعها في فتارين حديثة، مزودة بالنيتروجين، للحفاظ على درجة الحرارة والرطوبة بداخلها، لتوفير الحماية اللازمة لهذه المومياوات، ولضمان عدم تأثرها بأي عوامل مناخية. أما قاعة المومياوات فشعرت وأنا أنزل درجاتها، وتحيطني جدرانها السوداء، أنني أدخل لأحد مقابر وادي الملوك والملكات بالأقصر، وهو ما أكده الدكتور خالد العناني في شرحه، أنه تم تصميمها على طراز المقابر الفرعونية القديمة، ورأينا التوابيت الذهبية، قد رصت بأساليب عرض مبهرة، تحيطها الإضاءة في مشهد يشعرك بالرهبة والإجلال لهؤلاء الملوك والملكات العظام، ممزوج بالفخر لانتمائك لذلك البلد العريق.
فتذكرت أثناء دراستي بكلية كمبرلي الملكية بإنجلترا، لمدة عامين، أن متعتي الكبرى كانت في زيارة متاحف العاصمة لندن، البالغ عددها 62 متحفاً، والتي كانت تفتح أبوابها، بالمجان، في يوم الأحد من كل أسبوع، للطلبة، وهي التجربة التي أتمنى أن يعممها الدكتور خالد العناني بالسماح بدخول الطلبة، في أيام الجمعة، مجاناً، لزيارة متاحف مصر، لتعزيز روح الفخر والانتماء بوجدانهم. إن زيارة المتحف، على الطبيعة، تختلف عما تشاهده على شاشات التليفزيون، ومنصات التواصل الاجتماعي، أو “السوشيال ميديا”، فالتجول بين جدران المتحف، واستعراض تاريخ مصر، مع الاستمتاع بمقطوعة موسيقية على آلة الهارب، أقدم الآلات الموسيقية في التاريخ، مصحوباً بنظام عرض وإضاءة حديثين، يزيد من الانبهار والشعور بالعظمة.
ومن كل ذلك، تذكرت القول المأثور “الوصول إلى القمة صعب، ولكن الحفاظ عليها أصعب”، فاخترت عنوان مقالي اليوم، “قلبي معاك يا وزير الآثار”، هذا الوزير الشاب الهمام، الذي أدار، ونظم وخطط ونفذ، ذلك الاحتفال الأسطوري لنقل المومياوات، فحقق نجاحاً تاريخياً، رفع سقف طموحنا جميعاً، في ألا نقبل بأقل من ذلك المستوى الاحترافي في الحدثين الهامين التاليين على أجندة الآثار والسياحة المصرية، وهما افتتاح المتحف الكبير في منطقة أهرامات الجيزة، وافتتاح طريق الكباش وتحويل الأقصر لأكبر متحف مفتوح في العالم، وهي المكانة التي تستحقها، بما تملكه من مقومات.
ومنا هنا أدعو للدكتور خالد العناني وزير السياحة والآثار أن يوفقه الله فيما هو قادم، وأنا على يقين من قدراته على تجاوز توقعاتنا، لما هو أفضل، لما لمسته فيه من فكر وخبرة وحيوية ونشاط وإخلاص وتفان في العمل … كان الله معك وسدد خطاك.
Email: [email protected]