د. ناجح إبراهيم يكتب: “حسب الله الكفراوي.. وفاروق والسادات ومبارك”
وصفه مجلس الوزراء بأنه “أحد رموز الهندسة المدنية” وأنه قامة في قطاع البناء والعمران”، ولقبه الكثيرون بـ”وزير الغلابة”، أشهر وزير إسكان في تاريخ مصر,المعمارجي العظيم وعراب أو أبو المدن الجديدة حيث دشن 17 مدينة مصرية في وقت واحد أهمها السادات، 15 مايو، 6 أكتوبر، دمياط الجديدة ومينائها.
أحبه الناس جميعاً وهو في السلطة وخارجها,كان والده تاجراً مستوراً من تجار القطن غرقت إحدى مراكبه في النيل فذهب إلي عثمان محرم وزير الأشغال العامة في عهد الملك فاروق فأعجب بشخصيته وانبهر بها,فعاد من عنده فخلع العمامة ودعا ربه “يا رب أري ابني مثل عثمان محرم”.
كان عثمان محرم من أشهر مهندسي مصر وقتها، وكأن أبواب السماء كانت مفتوحة إذ تحقق هذا الحلم لابنه حسب الله وكان يطلق عليه في البيت “سيد” ليكون أكثر من جلس علي كرسي الوزارة 17 عاماً كاملة مع رئيسين السادات ومبارك وقدم استقالته مرات لكن الرئيسين أبيا قبول استقالته.
مات والده ففقد رمز الرحمة والعطاء والحنان بلا مقابل في حياته كما قال.
صمم علي تحقيق أمنيته,انبهر بالميكانيكا والكهرباء في أولي هندسة ولكنه رسب فيهما فشكا أساتذته للعميد الذي قال له: مفيش أب يضطهد ابنه، تعال عندي في القسم المدني لتشاء الأقدار أن تصنعه كواحد من أكفأ المهندسين المدنيين المصريين.
أنقذه عميد الكلية من القبض عليه مقابل أن يترك السياسية والتنظيمات الدينية,وهكذا كان يفعل أساتذة الجامعات، وفى بعهده لعميد هندسة إسكندرية وتفرغ للعلم وحده.
علمته أمه ثلاثة أشياء الوضوء والمحافظة علي صلاة الفجر,وتوصيل أطباق الطعام والفاكهة يومياً للجيران والأقارب، كان قفص الفاكهة لا يمر عليه يوم في البيت حتى يوزع عليهم.
مات جميع أشقائه بعد فترة فاعتبر أولادهم مثل أولاده، ووصلهم مثلهم، رغم انتقاده للملك فاروق في حياته إلا أنه أقر أن كل شيء في عهده كان أفضل مما يليه بدءً من الحريات وحتى التعليم والاقتصاد ضارباً المثل بمدرسة فارسكور الابتدائية التي كان فيها مكتبة، صالة للألعاب الرياضية، مطعم,غرفة للحرف اليدوية، حديقة كبيرة لدراسة البساتين، ملعب كرة رسمي,ووجبة غذاء ساخنة يومياً “وضارباً المثل بدقة ونظافة مستشفي فارسكور العام وقتها.
تطوع للعمل في السد العالي عشر سنوات كاملة في فيح جهنم وحرها بأسوان وكان يردد “أحلى أيام عمري قضيتها في العمل في السد العالي”، وأنه كان مدرسة وطنية رائعة,وأن المهندس/صدقي سليمان هو الفارس الحقيقي لمشروع السد.
وعن سر اختيار السادات لمبارك دون غيره كان يقول : كان أمام السادات ثلاثة الجمسي ومحمد علي فهمي ومبارك، كان الأولان شديدي المراس وكان الثالث هينا سلساً,وكان السادات يفكر في مشاريع غير تقليدية تريد نائباً سلساً لا يعطله أو يعرقله فاختار مبارك.
رفض استقبال شارون في عهد السادات,ولم يغضب السادات، وكان شارون يشغل نفس منصبه في إسرائيل، وكان يرفض الاشتراك مع إسرائيل في مشاريع معمارية.
كان متديناً بطبيعته وفطرته دون تكلف أو تشدق، تعمير الساحل الشمالي يعد من حسنات الكفراوي وأدار نقابة المهندسين بحنكة وحكمة فأبقاها وحافظ عليها دن حل أو فرض حراسة.
كنت تشعر أن بينه وبين الله سر فقد كان يعارض بعض رؤساء الوزراء ويختلف مع الرؤساء في قضايا كثيرة رغم ذلك يتمسكون به ويقدرونه ويعرفون إخلاصه وتجرده وعفة يده واهتمامه الأول والأخير بمصالح مصر وشعبها,هذه التوليفة العجيبة قد لا تراها في الكثيرين.
كان يجلس بجوار السادات الذي كان يرأس الوزارة مع الرئاسة وقتها وكان هو نائباً لرئيس الوزراء فجاءت السكرتارية بورقة للرئيس مفادها وفاة الشيخ عبد الحليم محمود,فهمس السادات في أذنه قائلاً”الحمد لله أسترحنا منه,كان عملنا دوشة كبيرة”، مشيراً إلي تصميم شيخ الأزهر وقتها علي تطبيق الشريعة واقعياً في مصر واعتكافه شهراً في منزله وقتها، حتى قبل السادات الأمر علي مضض وأحاله إلي د/صوفي أبو طالب الذي كان مقتنعا بالاستفادة من الشريعة وقام بتقنينها فعلاً في سابقة فريدة.
من مآثر الكفراوي أيضاً تأسيسه لبنك التعمير والإسكان عام 1978 بهدف تمويل مشروعات بناء وحدات للشباب والذي أثمر بناء مليوني وحدة سكنية لمحدودي الدخل,920 مصنعاً في المدن الجديدة,ومن مآثره إقامته لخطوط المياه التي تربط المدن المختلفة.
لقد تركت الحروب التي مرت بها مصر بنية أساسية محطمة تماماً ويذكر للسادات ومبارك أنهما أول من أعادا تأسيسها من جديد,وكان الكفراوي وعثمان أحمد عثمان هما الذراع الأيمن لهما في ذلك.
كان يتمني تحويل ممر قناة السويس إلي مركز لوجستي عالمي لخلق نموذج “هونج كونج”,ولكن مشروعه لم ير النور,ولعله يتم الآن واقعياً.
الإسلام شيئان عبادة الله وإصلاح وعمران الكون,ولعل الكفراوي قام بهما خير قيام,سلام علي أهل العمران والإصلاح في الكون,سلام علي الكفراوي وكل البنائين.