محمد الحنفي يكتب: المستقبل مرعب.. هل ينتهي جشع الإنسان بتخريب الكون؟!

يتساءل، الكاتب الصحفى محمد الحنفي: هل فكرنا في الكوارث التي يمكن أن تحدث والمستقبل المرعب الذي ينتظرنا اذا ما استمرت الموجات شديدة الحرارة التي نعيشها هذه الأيام وما ينتج عنها من فيضانات مميتة تذيب جبال الجليد وحرائق تندلع في غابات كندا وأمريكا وتركيا واليونان والجزائر؟

محمد الحنفي يكتب: إلا سكون القلب !
هل فكرنا فيمن عساه يكون المتسبب في هذا التغير المناخي الذي يهدد وجود البشر على سطح كوكب الأرض؟
ويطرح الكاتب إجابته فى مقاله المنشور بمجلة “المصور” عدد هذا الأسبوع ، ويتناول فيه بالشرح والتحليل، الأحداث الأخيرة المرعبة، والتى تهدد بالفعل الحياة على كوكب الأرض، وإلى نص المقال:

العالم يحبس اليوم أنفاسه .. يقف على أطراف أصابعه .. يترقب برعب وفزع ما سيحدث لكوكب الأرض خلال هذا القرن ..وما الفيضانات المميتة بألمانيا وحرائق الغابات في كندا والولايات المتحدة وتركيا واليونان والموجات الحارة المتتالية التي تهب علينا هذه الفترة إلا انعكاساً وترجمة فعلية لجشع الإنسان المستمر والمتزايد على متطلباته الحياتية ، فشرع على مدى أكثر من قرن ونصف القرن ، يعبث بما وهبه الله من نعم وعطايا في هذا الكون ، غير آبه أو مبال بأن ما يعبث به سوف يخرب أرضه ويهدد وجوده !!.. رأيناه يسير بسرعة الصاروخ نحو التصنيع فيم سمي بالثورة الصناعية الكبرى وما أعقبها من انتشار للمصانع ،رغم ما تخلف من غازات سامة ومحروقات قاتلة .. شاهدناه أيضاً يزيل الغابات .. يقطع الأشجار ويأتي على المساحات الخضراء ، فكانت النتيجة انبعاث رهيب في كميات غير مسبوقة من الغازات الدفيئة ، وتصاعدها وتراكمها بالغلاف الجوي مسببة تغير المناخ الناتج عن ظاهرة “الاحتباس الحراري” !
هذا المصطلح أو الاسم تردد ذكره كثيرا منذ سنوات وعقدت لأجله مؤتمرات عالمية على كافة المستويات وخصص له يوم في شهر ابريل من كل عام ،سمي بيوم الأرض ولكن لا حياة لمن تنادي ! والاحتباس الحراري يعني ارتفاع درجة الحرارة على الكوب الذي نعيش فيه نتيجة تغير في سريان الطاقة الحرارية بين الأرض والغلاف الجوي المحيط بها .
لقد أدى جور الإنسان على بيئته التي تأويه إلى ارتفاع نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون الناتج عن حرق الفحم والنفط والغاز الطبيعي في مصانع الطاقة وعوادم السيارات وإزالة الغابات والقطع الجائر للأشجار التي تعد المخزون الأساسي للكربون ،فضلا عن زيادة كميات غاز الميثان الناتج من التفاعلات الكيميائية بالغابات والبرك والمستنقعات وحقول الغاز الطبيعي وحظائر الحيوانات ومحطات معالجة المياه ومكبات النفايات الصلبة !
أيضا ارتفعت نسبة غاز أكسيد النيتروجين الناتج عن أكسدة المواد العضوية النيتروجينية من عوادم السيارات واحتراق الغاز الطبيعي والفحم الحجري !
إن تزايد هذه الأحداث يرجع إلى الاحترار الكبير في القطب الشمالي، الذي كان له تأثير على ديناميكيات الغلاف الجوي في نصف الكرة الشمالي بأكمله ، وفقا لتصريح “بيتيري تالاس “، الأمين العام لمنظمة الأرصاد الجوية العالمية.
بالفعل أصبحنا نعاني من ظاهرة الأوزون السطحي الذي اقترب بشكل خطير من سطح الأرض بسبب زيادة التلوث ، هذا الأوزون هو الدرع الواقي الذي يمنع نفاذ الأشعة فوق البنفسجية الواردة من الشمس .. وعندما يقترب من الأرض يلعب دور الغازات الدفيئة القاتلة !
الحقائق مذهلة والأرقام مفزعة لما يمكن أن ينتظر العالم في منتصف هذا القرن أو نهايته .. سأعرض لها بالتفصيل والتفسير في السطور التالية :
لقد اطّلعت على دراسة علمية قيمة أعدها الدكتور عبد العليم سعد سليمان ، الأستاذ بقسم وقاية النبات بكلية الزراعة جامعة سوهاج عن ظاهرة الاحتباس الحراري وتأثيرها السلبي على الكون أو كوكب الأرض ومن ثم تهديدها للوجود البشري نفسه نتيجة تغير المناخ .. فماذا سيبقى بالكون لو انعدم وجود الإنسان فيه ؟
في هذه الدراسة المهمة التي لا يتسع مقال واحد لعرض محتواها رصد الدكتور عبد العليم مؤشرات تغير المناخ نتيجة الاحتباس الحراري وكان من أهمها :
• ارتفاع درجات حرارة الأرض عن معدلاتها الطبيعية وتصاعد ذلك الارتفاع عاما تلو الآخر ،وارتفاع مستوى مياه البحار والمحيطات .
• احتواء الجو حاليا على 380 جزءا بالمليون من غاز ثاني أكسيد الكربون المسبب الرئيسي للاحتباس الحراري مقارنة بنسبة 275 جزءا بالمليون التي كانت موجودة في الجو قبل الثورة الصناعية وهذا يمثل زيادة نسبتها 30% خلال الـ150 سنة الماضية ، وإذا استمر هذا المعدل ربما تصل النسبة إلى 100% بنهاية القرن الحالي !
السؤال الأهم الذي استقيت من إجابته عنوان المقال :
ما هي العواقب المحتملة نتيجة ظاهرة الاحتباس الحراري ؟
• إن ارتفاع درجة حرارة الكوكب أو الكون بهذا الشكل سيهدد حياة ثلث الأنواع الحيوانية والنباتية ويعرضها للانقراض كما ستتراجع كميات صيد الأسماك في المناطق الاستوائية بمعدل يتراوح بين 40 و70 في المئة بحلول عام 2050!
• سوف يتسبب الارتفاع غير المرئي في مستوى سطح البحر بمقدار 1.5 سم تقريبا سنويا إلى ارتفاعه بمقدار 1.5 متراً بحلول عام 2100 ، نتيجة ذوبان الثلوج في القطبين الشمالي والجنوبي وانسياب مياههما في البحار مما سيؤدي إلى ارتفاع منسوبها ، هذا الارتفاع المحتمل سيشكل تهديداً بابتلاع البحار للجزر و المدن السكنية الساحلية التي يقطنها قرابة الـ 150 مليون شخص ، إضافة إلى نقص المياه العذبة !
• هناك أكثر من مليار شخص سيكونون عرضة للموت نتيجة نقص المياه بسبب ذوبان الثلوج الجبلية والمساحات الجليدية التي تعمل كخزان طبيعي للمياه العذبة ، وهناك أيضاً 2.25 مليار شخص إضافي معرضون لخطر الإصابة بحمى الضنك في آسيا وإفريقيا وأوروبا، في ظل سيناريوهات الانبعاثات العالية المفزعة.
• احتاج نحو 166 مليون شخصا في إفريقيا وأمريكا الوسطى، إلى المساعدة بين عامي 2015 و2019 بسبب حالات الطوارئ الغذائية المرتبطة بتغير المناخ ، كذلك فإن هناك ما بين 8 و80 مليون شخص، أكثر عرضة لخطر المجاعة بسبب تراجع المحصول الزراعي وتقلص المخزون الغذائي بحلول عام 2050 ، وهناك نحو 1.4 مليون طفلا سيعانون من التقزم الشديد في إفريقيا بسبب المناخ في 2050.
• تراجع خصوبة التربة وتفاقم التعرية بسبب ازدياد الجفاف الذي سيؤدي إلى تفاقم ظاهرة التصحر !
• وفاة 150 ألف شخص سنويا بسبب التغير المناخي الحادث حاليا .
• ازدياد الجفاف في الشمال الإفريقي وجنوبه مع ارتفاع نسبة الرطوبة بصورة ربما تكون غير محتملة وبالتالي ستتقلص المساحات المنزرعة بسبب نقص المياه وتوابع ذلك من نقص مؤكد في المخزون الغذائي !
• انتشار الأوبئة بين الحيوانات والنباتات البرية والبحرية مع احتمالات قوية بانتقالها للبشر ، فمع ارتفاع درجات الحرارة يزداد نشاط ناقلات الأمراض من حشرات وقوارض فتصيب عدداً أكبر من البشر والحيوانات ، كما وُجد أن فصول الشتاء المتعاقبة المعتدلة حراريا فقدت دورها الطبيعي في الحد من الجراثيم والفيروسات وناقلات الأمراض ، كذلك لوحظ أن فصول الصيف منذ العقد الأخير من القرن الماضي زادت حرارة وطولا مما ضاعف من المدة التي يمكن للأمراض أن تنتقل خلالها إلى الكائنات الحية !
السؤال الثاني : هل هناك حلول أو أساليب نواجه بها ذلك الخراب الذي ينحدر بقوة “الزحليقة ” نحو الأرض أم استسلم العالم لقدره ووقف ينتظر مصيره ومستقبله المظلم ؟
الإجابة نعم هناك حلول..ولأن المشاكل البيئية بشكل عام والاحتباس الحراري بشكل خاص لا يمكن أن تُواجه بشكل فردي فقد تنبه العالم منذ العقد الأخير من القرن الماضي لخطورتها حيث عقدت مؤتمرات دولية عدة منها قمة “ريودي جانيرو” بالبرازيل عام 1992 وأصدرت اتفاقية الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ كخطوة أولى في التصدي لمشكلاته ، كما وقعت دول كثيرة على اتفاقية “كيوتو 2005 ” باليابان وكان من أهم أهدافها وضع القيود على أكبر الدول التي تنبعث منها الغازات الدفيئة وتسبب تلوث البيئة ، وترشيد استخدم وسائل النقل من السيارات وكافة وسائل المواصلات لتقليل أو خفض نسبة انبعاثات الغازات الدفيئة ، كما دعت الاتفاقية إلى الاستفادة بشكل أكبر من مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والديزل الحيوي بدلا من الوقود التقليدي ، وفي اتفاق “باريس” عام 2015 توصلت الأطراف المشاركة إلى ضرورة بذل الجهود الطموحة لمكافحة تغير المناخ والحد من آثاره مع تقديم الدعم للبلدان النامية والعمل بشكل إيجابي وعاجل من أجل الحفاظ على معدل ارتفاع درجات الحرارة العالمية هذا القرن أيضاً إلى أقل من درجتين مئويتين فوق مستوى ما قبل الثورة الصناعية ، ثم كان الحدث الأكبر يوم 22 إبريل من عام 2016 بمناسبة “يوم الأرض” والذي انعقد في مقر الأمم المتحدة بنيويورك وشاركت فيه مصر ممثلة في الرئيس عبد الفتاح السيسي ومعه 174 زعيما من قادة العالم ووقع هؤلاء الزعماء الذين انضم إليهم عشرة آخرون على اتفاقية “باريس 2015” !
ومنذً أسابيع أطلقت الأمم المتحدة حملة “اعملوا الآن”، الرامية للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري والعناية بكوكب الأرض وتهدف الحملة إلى خفض انبعاثات الغازات الدفيئة إلى صفر بحلول عام 2050 ، وبيّنت أن التغييرات الكبيرة يجب أن تتم في هذا المجال من جانب الحكومات والشركات، لافتة إلى أن الانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون غير ممكن دون مشاركة المواطنين، وخاصة في الدول المتقدمة ، من خلال تغيير عاداتنا واتخاذ خيارات ذات تأثيرات أقل ضررا على البيئة، وأكثر مواجهة لتحديات المناخ وبناء عالم أكثر استدامة”.
كما اجتمعت اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة (IPCC)، في أعقاب موجة الفيضانات المميتة والارتفاعات القياسية في درجات حرارة ببعض مدن العالم ـ وفي ختام تلك الاجتماعات صدرت «بطاقة تقرير» المناخ الجديدة في 9 أغسطس الجاري.
كما يعمل حاليا ألف عالم تحت مظلة الأمم المتحدة ليقيّموا آثار التغيرات المناخية ولتحديد كيفية تأثيرها على كوكب الأرض ، كما ستصدر مجموعات العمل التابعة للأمم المتحدة تقريرين آخرين- أحدهما في فبراير 2022 والآخر في مارس 2022- لتقييم آثار تغير المناخ ومخاطره والتوصية بخيارات لسياسات التخفيف من حدة المناخ
• ومن أساليب المواجهة أيضا كان العمل من أجل المناخ حيث أصبح الهدف رقم 13 في خطة التنمية المستدامة والتي تعني تطوير وسائل الإنتاج بطرق لا تؤدي إلى استنزاف الموارد الطبيعية لضمان استمرار الإنتاج للأجيال القادمة ،( تلبية احتياجات الجيل الحالي دون إهدار حقوق الأجيال القادمة ).
لقد تقدمت الأمم المتحدة باقتراح يتضمن 17 هدفاً و169 غاية تغطي مجموعة واسعة من قضايا التنمية المستدامة منها القضاء على الفقر والجوع وتحسين الصحة والتعليم ومكافحة تغير المناخ وحماية المحيطات والغابات . إن العمل المناخي سيساعد على رفع مستويات الرخاء والعيش الكريم مع حماية البيئة ، بما يعني أيضا خلق فرص جديدة وبناء مدن ومجتمعات مستدامة والتوسع في استخدام الطاقة النظيفة والمتجددة وتقليل تلوث الهواء ومن أهم مصادر الطاقة النظيفة “الطاقة الشمسية” التي لم يحسن العالم استغلالها لا سيما في البلدان المشمسة إذ ثبت علمياً أن كوكب الأرض تصله أشعة شمسية تكفي احتياجات العالم من الطاقة 3000 مرة !
• إن عدم الإفراط في استخدام الطاقة غير المتجددة مثل النفط بجميع محروقاته التي تتسبب في انبعاث الغازات الدفينة بات مطلباً وجوبيا في مواجهة ظاهرة الاحتباس الحراري التي تهدد بخراب الأرض وفناء البشر والزرع والضرع !
• ومن الحلول المقترحة أيضا التوسع في زراعة الأشجار والمساحات الخضراء حتى تقلل من نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون وزيادة الأوكسجين وامتصاص الحرارة القادمة من الغلاف الجوي وتأتي الزراعة بدون تربة كأحد تقنيات الزراعة الحديثة في هذا الإطار .
• ضرورة إنشاء مكبات قمامة بيئية وصحية تقلل من انبعاثات الغازات خاصة الميثان .
• تشديد الرقابة على المصانع التي تتخلص من نفاياتها بطرق خاطئة .
• وضع قوانين صارمة تجرم إزالة الغابات والأشجار .
• استخدام الأجهزة الكهربائية الموفرة للطاقة وصديقة البيئة .
وفي الختام أشكر الدكتور عبد العليم سعد سليمان على دراسته الرائعة ويؤسفني أن أقول إن خبراء المناخ يتوقعون تزايد موجات الطقس القاسي والارتفاع المطرد لدرجات الحرارة التي «لا هوادة فيها»، والمزيد من حرائق الغابات المستعرة والفيضانات المميتة، وهو الأمر الذي سيُعنى به تقرير اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة .
ولأن مصرنا الحبيبة تعنينا في المقام الأول فقد أكدت الدكتورة “ياسمين فؤاد” وزير البيئة على أن تغير المناخ أصبح أعظم تحدى تواجهه الأرض وخاصة بعد جائحة كورونا وفقد الكثير من الكائنات وتدهور الموارد الوطنية للبلدان ، ويعد أهم هذه الموضوعات هو التكيف مع الآثار السلبية لمخاطر تغير المناخ حيث أن قارتنا ( أفريقيا) أكثر تهديدا به وتتضرر منه بصورة كارثية لاسيما الجفاف والتصحر نتيجة الفقر المائي .
المحزن أن مصر لا تزال ــ وفق أحدث التقارير الدولية ــ تحتل المرتبة رقم 16 عالميًا والأولى عربيًا والثالثة أفريقيًا في الدول المتأثرة بظاهرة التغيرات المناخية ، مصر تتعرض لانقلاب مناخي واختفاء فصول مناخية ، فلم نشاهد آثار فصل الشتاء العام الحالي، ، من هنا تبرز أهمية تنفيذ برامج تستهدف التخفيف من آثار المناخ !
وإذا كان استمرار ظاهرة الاحتباس الحراري يهدد “الوجود البشري ” على سطح الأرض فإن الإنسان ــ كما ذكرت في بداية المقال ــ يأتي على رأس الأسباب بجشعه وكثرة استخدامه للوقود المحترق بأنواعه كالنفط والغاز الطبيعي والفحم ، وعدم كفّه عن القطع الجائر للأشجار والغابات ، واستغلاله المفرط للثورة الصناعية في إنشاء الكثير من المصانع وكذلك إفراطه في استخدام السيارات وما تنفثه من عوادم تتصاعد أدخنتها ملوثة للبيئة ومؤذية للغلاف الجوي ..
وإذا كانت مصر رقم 8 في قائمة الدول الأكثر تلوثاً في العالم ورقم 16 عالميًا والأولى عربيًا والثالثة أفريقيًا في الدول المتأثرة بظاهرة التغيرات المناخية.. أتمنى أن نتخلص من مقولة “إحنا الـ دهنّا الهوا دوكو .. واحنا الـ خرمنا الأوزون ” !

زر الذهاب إلى الأعلى