القديسة أوجيني.. ضحت بجمالها للحفاظ على ما آمنت به
كتب: إسلام فليفل
إذا كان عليك الوقوف أمام الجميع مُجبرا على الاختيار من بين ما تؤمن به من عقيدة وبين حياتك، ماذا سوف تختار؟ قد يكون اختيار البقاء على وجه الحياة هو الأكثر وضوحًا بالنسبة إلى كثير من الناس، وهذا شيء قد يحدث بشكل طبيعي خضوعًا للغريزة التي تتحكم بالبشر، لكن بالنسبة لأناس من طبيعة أخرى، فإن التضحية بأى شيء حتى أنفسهم مقابل إيمانهم هو اختيار يتطلب حتى التفكير.
اقرأ أيضا.. “إسرائيل بالعربية”: مسلمون يؤدون صلاة المغرب داخل كنيسة بمراكش
قصص التضحيات تقوينا وتظهر لنا أننا لسنا مجرد مخلوقات أنانية، نلهس وراء متاع الحياة، ونستطيع أن نقرر ماهو صائب وما هو مهم بالنسبة إلينا، وأن نتصرف وفقًا لذلك.
وفي التاريخ المسيحي على وجه الخصوص، نجد أنه غني بالقصص والحكايات المليئة بالتضحيات من أجل الإيمان، بداية من التضحيات الكبيرة التي قدمها المسيح للبشرية، إلى قصص لأناس عاشوا في عصور من الاضطهاد الديني الغاشم، قرروا وهب أرواحهم مقابل الثبات على مبدأ الإيمان، ولم تزعزعهم أي إغراءات أو تهديدات، ومن ضمن هذه النماذج على التضحية قصة القديسة “أوچيني” التي ضحت بجمالها وما امتلكته من جاه في مُقابل الرهبنة والحفاظ على ما آمنت به.
“الأسطورة الذهبية”
حسب القصة التي وردت في المجموعة الأدبية”الأسطورة الذهبية”، وُلدت أوچيني في روما عام 180 ميلاديا لأسرة غير مسيحية، وانتقلت مع أهلها إلى الإسكندرية بعد تعيين والدها “فيليبس” واليًا هناك من قبل الإمبراطور “كومودوس”.
وقال الأنبا “صامؤيل” راهب كنيسة سانت أوچيني ببور سعيد، إنه على الرغم من أن “فيليبس” كان غير مسيحي، إلا أن أهل الإسكندرية تمتعوا في عصره بكامل حريتهم في اختيار الدين وممارسته بكل سهولة.
ألحقها والدها بمدرسة الإسكندرية الشهيرة لتتعلم أصول الفلسفة والعلوم، ومع زيادة شغفها بالدراسة، كانت أوچيني تستعين بالمزيد من كتب الفلسفة لدراستها بشكل أعمق، وخلال رحلة القراءة التي كانت تخوضها، سمعت أوچيني عن الكتاب المقدس الذي كان مُنتشرًا في الإسكندرية آنذاك، ومن باب الفضول، قررت أن تستعير واحدًا للتعرف عليه عن قرب، ليغير هذا الكتاب قصة أوچيني التي اعتنقت المسحية سرا بعد ما رأته من سلام ومحبة بين معتنقيه، وسرا وهبت أوچيني حياتها للرهبنة، وأصبحت زائرة دائمة للدير وكانت تؤدي صلواتها بدون معطلات العالم وصخبة، ولتستطيع أن تقضي وقتًا لتقرأ كثيرا فى الكتاب المقدس الذى أحبته، ومنذ ذلك الحين، كرست أوجيني حياتها لخدمة المحتاجين والفقراء ومساعدة كل سائل.
“عصر الاضطهاد الديني”
في عام 250م، تم تعين “ديسيوس” إمبراطورًا لروما،لكنه اضطهد المسيحيين وأجبرهم على عيش فترة غير مسبوقة من الاضطهاد الديني، وذكر الأنبا صامؤيل أن “ديسيوس” لم يكن محبا للدين الناشئ حديثًا وقتها، المسحية، بل أيضًا لجميع الأديان الأخرى التي لم تكن رومانية، وأضاف، أنه سن قانونًا لجعل الناس يتخلون عن معتقداتهم ويقبلون بالمعتقدات الوثنية، وكان القانون ينص على أن جميع الناس سيجبرون على الاختيار من بين معتقداتهم الخاصة، “المسيحية وديانات أخرى” والموت.
وتم وضع هذا القانون من أجل ترويع الناس لأنهم إذا اختاروا دينهم فهذا يعني أنهم في نهاية المطاف سيموتون، لذلك كان يمارس معظمهم معتقداتهم في سرية.
وشهدت الإسكندرية في تلك الفترة على مصادرة وتدمير الممتلكات والتحريض على الكراهية والاعتقالات والضرب والتعذيب والقتل والإعدام، وأضاف الأب صامؤيل بأن “فيليب” حاكم الإسكندرية ووالد أوچيني لم يسلم من تلك الممارسات.
ولم تسلم القديسة أوچيني من كراهية “ديسيوس” الذي أمر بالقبض عليها حتى تتنازل عن الدين المسيحي وأن تسجد للإلهة “أرتيمس” في معبدها، ولكنها رفضت فقام بحبسها وتعذيبها حتى تتراجع عن قرارها، وحينما فقد الإمبراطور الأمل في تراجعها أمر بقطع رأسها لتنتهي حياة فتاة تركت كل ما كانت تملكه من جاه وجمال من أجل الإيمان.
“كنيسة سانت أوچيني”
وفي بور سعيد تم بناء كنيسة في عام 1890م، تكريسًا لروح الشهيدة أوچيني، بعد تنازل إدارة شركة قناة السويس للآباء الفرنسيسكان الكاثوليك عن قطعة أرض لبنائها، وتعتبر أقدم كنائس بور سعيد وأجملها من حيث المعمار، وتحتوى الكنيسة على رسمة للقديسة أوچيني تجسد حادثة قطع رأسها، والكنيسة الآن مسجلة ضمن الآثار الإسلامية والقبطية.
وذكر طارق الحسيني، مدير عام آثار بورسعيد، أن الكنيسة هي الأقدم في بورسعيد، وأنه تم تسجيلها ضمن الآثار الإسلامية والقبطية في عام 2016، لتصبح من أهم معالم المدينة.
وأوضح أحمد فتحي، مفتش الآثار، أن الكنيسة شُيدت على الطراز الأوروبى الذي يجمع بين عناصر الطراز الكلاسيكي الجديد وطراز عصر النهشة المستحدث كما صممت على الطراز البازيلكي، أقدم الطرز المعمارية في تخطيط الكنيسة، كما أنها قسمت بواسطة مجموعة من الأعمدة إلى ثلاث أروقة عمودية وهي: “منطقة المذبح”.
وأشار فتحي، إلى ان الكنيسة تضم لوحات أثرية أصيلة بتوقيعات الرسامين الأصليين، من ضمنها “لوحتان تُجسدان مشهد قطع رأس القديسة أوچيني”، وتماثيل نادرة تعود إلى القرن الـ19بالإضافة لأقدم أورج موسيقي على مستوى الكنائس بمصر وحوض البحر المتوسط.