الدواء فيه سم قاتل.. “بيان” تكشف رحلة ” الأدوية منتهية الصلاحية” من الصيدليات إلى أوكار “إعادة التدوير”
كتب: إسلام فليفل
أكثر من أسبوع قضيناه للتعرف على خط سير الأدوية منتهية الصلاحية التى تشكل كارثة كبرى في سوق الأدوية في مصر، خاصة أن هناك عشرات الحالات التى تناولت بعض الأدوية ولم تأت بنتيجة، وهو ما يعنى أنها منتهية الصلاحية أوغير صالحة للاستخدام من الأساس.
اقرأ أيضا.. بيع الوهم.. بيان تكشف صفحات بيع أدوية الإنجاب المزيفة
الأمر الآخر يتعلق بضبط كميات كبيرة من الأدوية المغشوشة بين الحين والآخر، وهو ما دفعنا للبحث عن خط سير الأدوية منتهية الصلاحية التى يمكن أن تكون بمثابة القنبلة، فطبقًا للقانون فأن الأدوية منتهية الصلاحية يجب أن يتم إعدامها من خلال الشركة المنتجة أو الموزعة طبقًا لقانون قمع الغش والتدليس رقم 48 لسنه 1994.
“إعادة تدوير”
خلال مشوار الأدوية منتهية الصلاحية، لاحظنا أن العملية تنقسم إلى عدة مراحل، وفق كلام “سالم.م” صيدلى، أن “هناك عملية تتم دون أن يلتفت لها أحد، فبعض الشركات العالمية تقوم بجمع منتجاتها من الدول المتقدمة قبل انتهاء الصلاحية بفترة كبيرة طبقًا للقوانين المشدة فى تلك الدول، ثم تعيد تصنيعها وإرسالها إلى الدول الفقيرة ذات الكثافة السكانية العالية”، مشيرًا إلى انه من الصعب على الصيدلى اكتشاف هذا النصب، لأنه يحتاج إلى تحليل ومعامل وغالبًا ما توزع بين العبوات السليمة، أى أن الكمية لا تكون كلها من المُعاد تصنيعها، وهو ما يصعب ضبطها، إلا أن بعض العاملين فى التصنيع اكتشفوا ذلك من خلال تواصلهم مع بعض العاملين فى مصانع الأدوية خارج مصر.
ويعترف الصيدلى خالد محمد، بأن هناك تهاونًا يحدث من العاملين فى الصيدليات، خاصتًا أن أغلبهم غير مؤهل للعمل فى هذا المجال لأن أغلبهم مؤهلاتهم متوسطة وأقل من المتوسطة، حيث أن كل ما يهمهم هو الحصول على الربح ولا يعبأ بالضرر الذى يقع على المواطن.
صيدلى ثالث يُدعى سميح، كشف خلال جلسة مطولة مع “بيان” عن كارثة أخرى وهو استبدال تاريخ الصلاحية بعد جمع العبوات من الصيادلة، ثم إعادة طرحها مرة أخرى، ومن بين هذه الأدوية مضادات حيوية وأدوية تحفظ فى درجة برودة معينة وأدوية الهرمونات، حيث تعمل على تدمير كرات الدم البيضاء ويصبح الجسم أكثر عرضة للتسمم نتيجة لتكسير الصوديوم والبوتاسيوم فى الدم، وتوصلت “بيان” إلى عدد من الصيدليات، تورطت فى هذا التزييف.
“الرحلة”
بعد أن تأكدنا عبر عدد من الأطباء، وعلمنا أنواع الحيل التى تتم، قررنا خوض المغامرة باعتبارنا دكتور باطنة بمنطقة إمباب، ومندوبى أدوية نقوم بجمع الأدوية “الإكسباير” أو منتهية الصلاحية مقابل منشطات جنسية، وخلال جولة مررنا فيها على أكثر من 12صيدلية بثلاث مناطق هى الهرم وفيصل وإمبابة، فتوصلنا إلى عدد كبير من الأدوية تمثل نحو 27من العقاقير، متاحة للاستبدال بمنشطات جنسية بنفس سعر الجمهور، وتوجد هذه العقاقير فى صيدليات مختلفة وبكميات مختلفة.
الملفت أن العديد من الصيادلة لم يسأل عن هويتنا أكثر ما شغله الأسعار والكميات التى يمكن استبدالها، وهو ما أكد لنا أن بعض الشركات لا تقوم باستبدال هذه الأدوية بعد توزيعها فيضطر الصيدلي إلى بيعها أو إعدامها.
وهناك طرق أخرى لتصريف الأدوية منتهية الصلاحية، منها أن بعض المندوبين يجمعون بعض هذه العقاقير ويوردونها مرة أخرى إلى الشركات، وفى بعض الحالات لا تتعامل الصيدليات بشكل مباشر مع الشركة، وبذلك لا يمكنها إعادة الأدوية منتهية الصلاحية فيقوم المندوب بإعادتها عن طريق إحدى الصيدليات الكبرى التى تتعامل بشكل رسمى مع الشركة، وعقب جمع هذه الأدوية، قد يحدث ماهو أخطر، وفق ما علمناه من بعض المندوبين، بنقلها إلى شقق بمنطقة مؤسسة الزكاة، ليتم تغليفها من جديد بعد نزع الغلاف القديم، حيث يتم تجديد تاريخ الصلاحية والإنتاج ويعاد توزيعها من جديد من خلال المندوبين الذين يقومون بالمرور على الصيدليات وتوزيع الأدوية على أنهم مندوبون للشركات وعادة يذهبون إلى الصيدليات الصغرى التى تشترى عدد عبوات محدود، ويقف فيها شاب غير حامل لمؤهل صيدلة.
وكشفت “طارق.ص” مندوب، أن الأمرلا يحتاج سوى لماكينة تغليف وأغلفة مطبوع عليها أسماء الأدوية والشركات، بحيث تكون مشابهة تمامًا للمطبوعة على ظهر الأدوية، وفى بعض الحالات تطبع تلك الورش عبوات فارغة مطابقة لعبوات الشركات العاليمة، كما أكد أن بعض الأدوية يتم جمعها بربع ثمنها ويضطر الصيدلى لبيعها نظرًا لأنها تكون فى عداد المعدومة لديه.
“بيان” وهى متقمصة شخصية طبيب، يتعامل مع الصيدليات للحصول على الأدوية منتهية الصلاحية، تمكنت خلال إسبوع، من الاتفاق على صفقة أدوية حجمها 800عبوة من أدوية مختلفة، منها sanso b complex”، adol caplets،clavimox”، مقابل عبوات منشطات جنسية منها “فيركتا، وإيرك”، بنفس سعر الجمهور، على أن يقل سعر الأدوية بنسبة 20 فى المائة، نظرًا للكمية التى تم الاتفاق عليها.
“الخريطة”
تنتشر ورش إعادة تدوير الأدوية منتهية الصلاحية، فى عدد من المناطق أهمها بين السرايات، مؤسسة الزكاة، وإمبابة، السبب يرجع لسهولة تجميع الأدوية منتهية الصلاحية من الصيدليات وإعادة تعبئتها وتغليفها دون ضبط القائمين على الأمر.
ويؤكد دكتور على عبد الله، رئيس مركز الحق في الدواء، أن رأسمالية الأدوية المغشوشة يمثل من” مليار إلى 2مليار جنية، وأنها تنافس بنسبة كبيرة من حجم سوق الأدوية، سواء فى مصر أو فى بعض الدول الأخرى التى يوجد بها غش للدواء،ويقول “هناك حيل يلجأ إليها الذين يتاجرون فى المنشطات الجنسية التى تعد أكثر ربحًا من أى شئ آخر، وبعض الذين يوردون تلك العقاقير إلى الصيدليات يحصلون على مقابل توريد كبير، قد يصل إلى نحو 20 ألف جنية على سبيل المثال، وفى هذه الحال يتم شراء بعض الأدوية منتهية الصلاحية بنسبة معينة تضمن للتاجر نسبة ربح تتخطى ال50 فى المائة”.