الإخوان وطالبان.. القواسم المشتركة والدعم وصراع السيطرة على أفغانستان

كتب: على طه

اجتاح العالم شرقه وغربه موجة من الخوف والترقب مع سيطرة حركة “طالبان” خلال الساعات الأخيرة على أفغانستان وتصدر المشهد السياسي فيها بعد دخول الحركة العاصمة الأفغانية كابول، وإعلان قيام إمارة إسلامية من القصر الرئاسى الذى فر ساكنه رئيس البلاد أشرف غنى، وتبعه جنوده، وتركوا الشعب الأفغانى، يواجه مصيره دون سند إلا الله.
اتفاق مع واشنطن
وكانت الولايات المتحدة الأمريكية وقوات حلف الناتو، قد أعلنتا قبل شهور إنهاء وجودها فى أفغانستان فى ١١ سبتمبر المقبل، (يرمز التاريخ إلى هجمات ١١ سبتمبر ٢٠٠١) وذلك بعد 20 عاماً من غزو أفغانستان واحتلالها.
وفي 29 فبراير من العام الماضى 2020، وقعت حركة طالبان اتفاقا تاريخيا مع واشنطن في العاصمة القطرية الدوحة، تلتزم بموجبه واشنطن بتقليص وجودها العسكري في البلاد إلى 8600 جندي في غضون 135 يوماً واستكمال انسحاب القوات المتبقية في غضون 14 شهراً.
لكن انسحاب الولايات المتحدة من عمق الدولة الأفغانية، ليس بريئاً في إطلاقه، ولكنه عبارة عن فخ سياسي جديد وضعته الاستخبارات الأميركية بدقّة في طريق كل من الصين وروسيا وإيران، بهدف تحويل جنوب آسيا وشرقها إلى غرفة عمليات جديدة ومنطقة ملتهبة، على أيدي جماعات الإسلام الحركي، التي تستخدمها دائما فى تنفيذ مخططاتها الاستعمارية، تستلهم فى هذا ميراث الاستعمار البريطانى فى استخدامه لهذه الجماعات وتوظيفها سياسيا، وأبرز مثال فى هذا الإخوان المسلمين.
فتح المجال أمام “طالبان”
وجاء سماح الولايات المتحدة بفتح المجال الدبلوماسي أمام حركة “طالبان”، وتقديمها ككيان سياسي يتمتع بعلاقات دولية شرقاً وغرباً، نقطة تغيير في الاستراتيجية الأمريكية، في تعاملها مع طالبان، وطرحها على المسرح السياسي الدولي كطرف تفاوضي يتمتع بكامل الأهلية، ونقلها من أدبيات “فقه التنظيم” إلى “فقه الدولة”.
مخططات استخباراتية
ويقول الباحث فى الإسلام السياسى، عمرو فاروق، إنه ليس مستبعداً من خلال تلك النظرة البراجماتية، والمخططات الاستخباراتية التي تعتمدها القيادة الأمريكية في تنفيذ رؤيتها واستراتيجيتها، منح الشرعية السياسية لكل من “هيئة تحرير الشام”، المسيطرة على مدن الشمال السوري، بقيادة أبو محمد الجولاني، وحركة “بوكو حرام”، المتمركزة في  غرب ووسط أفريقيا بقيادة أبو مصعب البرناوي، وحركة “الشباب المجاهدين” المتركزة في القرن الأفريقي بقيادة أبو عبيدة الصومالي، وتحويلهم أطرافاً تفاوضيين دوليين، بعدما فشلت الجماعات التقليدية في تحقيق مشروع الانتقال من خانة التنظيم إلى خانة الدولة مثل جماعة “الإخوان المسلمين”، أو تنظيم “داعش” في سوريا.
قواسم مشتركة
لكن فاروق يستدرك قائلا: إنه على الرغم من القواسم الفكرية المشتركة بين جماعة الإخوان المسلمين، وحركة طالبان الأفغانية، فأن ثمة خلاف تاريخي بين الجماعة والحركة، يعكسه التنافس على السلطة منذ سيطرة طالبان على كابول في شهر سبتمبر من عام 1996، وانحياز جماعة الإخوان إلى الولايات المتحدة في حربها ضد “طالبان” وإسقاطها عام 2001.
وبواصل أن جماعة الإخوان، لا ترغب في وجود فصيل منافس لها في السلطة التي تتشارك فيها مع الحكومة الأفغانية منذ بداية الألفية الجديدة، وتقديم نفسها القوى الأصولية الأكثر هيمنة على المشهد الداخلي الأفغاني، من خلال سيطرتها على مفاصل المؤسسات السيادية والسياسية والاجتماعية فى أفغانستان.
الصراع المنتظر
ويوضح الباحث فى الإسلام السياسى أنه من المتوقع أن يتفجر الصراع بين أبناء حسن البنا، وتلاميذ الملا عمر مؤسس حركة “طالبان” ، وسوف يدفع هذا الصراع إلى حالة عبثية في كابول، مع سعى كل طرف على الانفراد بالساحة الأفغانية، وتطبيق سيناريوهات الوصول إلى دولة الخلافة المزعومة والمستحيلة، وفقاً لمعطياته الأيديولوجية والتنظيمية.
ولم تكن كابول – تاريخيا – بعيدة عن مصيدة الإخوان، إذ تم استقطاب هارون المجددي مندوب الهيئة العربية عن أفغانستان، واستقباله في مقر المركز العام للإخوان في القاهرة عام 1948، كما لعب “قسم الاتصال” بالعالم الإسلامي والبلاد العربية الذي أسسه حسن البنا عام 1944، دوراً مهماً في استمالة الشباب الأفغان الوافدين للدراسة في جامعة الأزهر، أمثال برهان الدين رباني، وعبد رب الرسول سياف، ومحمد خان نيازي، وقلب الدين حكمتيار، وغيرهم من الذين تمكنوا من نشر المنهجية الفكرية للإخوان بين طلاب الجامعات الأفغانية، وأسسوا حركة “الشباب المسلم”، و”جمعية خدام الفرقان”، و”الجمعية الإسلامية”، لدرجة دفعت حكومة داود خان إلى متابعتهم وملاحقتهم أمنياً.

 

الباحث عمرو فاروق
الباحث عمرو فاروق

 

 

داعم أساسي
ومع اشتعال الحرب الأفغانية السوفياتية التي استمرت ١٠ سنوات من ديسمبر 1979 حتى فبراير 1989، كانت خلالها جماعة الإخوان الداعم الأساسي والمموّل الرئيسي لجبهات المقاتلين الأفغان، تحت مظلة الولايات المتحدة الأمريكية، التي أطلقت عليهم “السلاح السري” في حرب الظل ضد الاتحاد السوفياتي، وفقاً لكتاب “النوم مع الشيطان”، لضابط الاستخبارات الأمريكية الـ (CIA) المتقاعد، روبرت باير، المسؤول عن عمليات الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، والذى كشف فى كتابه تفاصيل توظيف المخابرات الأميركية لجماعة الإخوان، في القيام بأعمال قذرة في كل من اليمن وأفغانستان.
المشهد الأفغاني
وأشرفت الإخوان مباشرةً على المشهد الأفغاني، وكلّفت كمال السّنانيري، زوج شقيقة سيد قطب، بإدارة ملف الحرب الأفغانية، ومن بعده الدّكتور أحمد الملط، بمساعدة عبد المنعم أبو الفتوح، وكمال الهلباوي، ومناع القطان، خلال فترة المرشد الرابع للجماعة، محمد حامد أبو النصر، وفقاً لما جاء فى مذكرات عبدالمنعم أبو الفتوح المنشورة بعنوان “شاهد على تاريخ الحركة الإسلامية في مصر”، فضلاً عن تأسيسهم جبهة موحَّدة للقتال ضد الروس تحت مسمى “الاتحاد الإسلامي لمجاهدي أفغانستان”، برئاسة عبد رب الرسول سياف عام 1983.

من جهة أخرى، كان للإخواني الفلسطيني عبد الله عزام دور بالغ في تأسيس مكتب “خدمات المجاهدين العرب” في بيشاور عام 1984، بالتعاون مع “معسكر مأسدة الأنصار”، و”بيت الأنصار” 1984، اللذين أسسهما أسامة بن لادن، وكانت تلك المكوّنات المسلحة النواة الأولى لتنظيم القاعدة.
بداية ملهمة
وجاء سقوط “طالبان” عام 2001، بمثابة بداية ملهمة للإخوان في إعادة تموضعهم التنظيمي في العمق الأفغاني، والتغلغل في مفاصل المؤسسات الثقافية والفكرية الاجتماعية والسيادية، إبان حكم الرئيس حامد كرزاي، كبديل لـ”طالبان” التي دخلت في منافسة شرسة مع الإخوان نهاية التسعينيات من القرن الماضي، على الرغم من المظلة الفكرية الجامعة بين أدبيات الفريقين في مفاهيم أسلمة المجتمعات والسيطرة على الحكم، إذ وقعت المؤسسات السيادية الأفغانية، تحت هيمنة جماعة الإخوان، في مقدمتها جهاز المخابرات المركزية، الذي ظل تحت سيطرتهم لفترة طويلة، والذى يتولى رئاسته حالياً أسد الله خالد، أحد رجال عبد رب الرسول سياف، فضلاً عن احتفاظهم بمنصب رئيس أركان الجيش الأفغاني، وسيطرتهم على جهاز الأمن الداخلي والمؤسسات القضائية، وامتلاكهم مجموعة من شركات الحراسات الخاصة والخدمات الأمنية.

اقرأ أيضا.. ممثل أفغانستان بالأمم المتحدة: ندعو لعدم الاعتراف بسلطة طالبان وحماية المؤسسات في البلاد

وخلال شهر يونيو عام 2002، أعلنت 30 قيادة أصولية تأسيس كيان سياسي يمثل جماعة الإخوان في أفغانستان، تحت مسمى “الجمعية الأفغانية للإصلاح والتنمية الاجتماعية”، في منطقة تيمني في العاصمة كابول، بعد الحصول على الموافقة الرسمية من وزارة العدل، وضمّت 35 فرعاً، ووضعت في مقدمة أهدافها التأثير في الطبقات الاجتماعية المتعددة، بما يحقق للجماعة نشر أفكارها، وعقيدتها وبسط وجودها فى عقول أتباع جدد.

 

شبكة المدارس
وكونت جمعية “الإصلاح الأفغانية”، شبكة كبيرة من المدارس التعليمية، الخاصة، وعدد من معاهد تعليم الفتيات، و8 مدارس لتدريس العلوم الشرعية، و7 معاهد متخصصة في تأهيل المعلمين، منها على سبيل المثال معهد “الإصلاح لإعداد وتأهيل المعلمات”، وأنشئت عام 2008؛ معنية بدراسة اللغة العربية والدراسات الإسلامية، و”إصلاح النموذجية”، أُسست عام 2006 في مدينة جلال آباد، و”دار العلوم الإسلامية” أُنشئت عام 2008، ومدرسة “الفلاح” للبنات، أُنشئت عام 2009 بمدينة جلال آباد، وتخصصت في إعداد الكوادر القيادية في المجالات الفكرية والعلمية والمهنية.
.. والإعلام
واتجهت جماعة الإخوان إلى تأسيس كيانات إعلامية تدافع عن توجهاتها وأفكارها، وأطلقت أول فضائية أفغانية، تحت اسم “الإصلاح”، ومعها إذاعة “صوت الإصلاح”، وتأسست عام 2008، إلى جانب إصدار المجلات والصحف والمواقع الإلكترونية، مثل “إصلاح مللي” وتصدر أسبوعياً باللغتين الفارسية والبشتو، ومجلة “معرفة” وتصدر شهرياً باللغة الفارسية، ومجلة “جوان” وتصدر بالبشتو، ومجلة “رسالة الإصلاح”، (نصف شهرية)، ويطبع منها أكثر من 100 ألف نسخة، ولها تأثير كبير في الشارع الأفغاني.
.. والعمل الاجتماعى
وأنشأ إخوان أفغانستان “جمعية المساعدات الإنسانية”، منظمة عاملة في المجال الخيري، وتوسعت المنظمة في إنشاء المستشفيات والعيادات الطبية، كنوع من تحقيق استراتيجية “الدولة البديلة”، أو “الدولة الموازية” للنظام السياسي القائم،  والوصول والسيطرة على الفئات الفقيرة والمعوزة، فى ظل ارتفاع معدلات الفقر فى أفغانستان.
المؤسسات الاقتصادية
وعلى المستوى الاقتصادى، يمتلك الإخوان عدد من المؤسسات الاقتصادية الكبيرة، فى أفغانستان فضلاً عن حصول الجماعة على دعم مالي من قيادات التنظيم الدولي، إذ إن معظم المشاريع التي تنفذها الجماعة، سواء الدعوية أم التعليمية، تطرح بصورة مجانية أو رمزية، خاصة المعنية بعمليات الاستقطاب والتجنيد الفكري والتنظيمي.
انتفض إخوان أفغانستان تزامناً مع ثورة 30 يونيو 2013، وسقوط حكم الإخوان في مصر، وأعلنوا رفضهم للإطاحة بمحمد مرسي، من خلال مؤتمر جماهيري عُقد بفندق “همسفر” بالعاصمة كابول، تحت عنوان “مؤتمر التضامن الأفغاني مع الشرعية في مصر”، بحضور رئيس الوزراء الأفغاني الأسبق المهندس أحمد شاه أحمد زاي، والمنظّر الإخواني محمد زمان، والكاتب والمحلل السياسي وحيد مجده، والدكتور فضل الهادي، عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين المؤسسة التى يرأسها يوسف القرضاوي، ومقرها قطر، فضلاً عن تنظيمهم عدداً من التظاهرات في كبريات المدن الأفغانية، مثل مدينة هرات في الغرب، ومزار شريف في الشمال، وقنذر في شمال الشرق، وجلال آباد في الشرق، للمطالبة بعودة الجماعة إلى الحكم في مصر.

زر الذهاب إلى الأعلى