أسماء خليل تكتب: الساحرة المُستديرة والعقول المُستنيرة
كثيرًا ما يتأمل المرء ظاهرة بعينها مُحاولًا إيجاد تفسيرًا واضحًا لحدوثها؛ ولكنه قد لا يؤتَى سؤلَه.
ومن تلك الظواهر التي تستحق التأمل التعصب لكرة القدم، والانسياق وراء إغراء تلك الساحرة المُستديرة أينما تكن، وكأنها تطوف حول الملاعب وتتأرجح بالعقول، كيف تسلب البشر إرادتهم و- بالأخص – الرجال، فتجعلهم مُتدروشين بها يُسبِّحون بحمدها ويجعلونها مِقصدًا آمِّين إليه!!
هل تتخيل أنَّ هناك من يُفضِّلون الاهتمام بفريقهم ومدى فوزه أو خسارته عن شؤون أبنائهم وتتبُع أحوال نسائهم بل وحبهم؟!..وهل تتخيل أنَّ هناك مَن يفعلون نفس الطقوس بيوم المُبارة لاعتقادهم أن عمل تلك الطقوس هي ما جعل فريقهم يفوز في المرات السابقة؟!.. بل ويصل الأمر بتعليق التمائم في ذلك اليوم، وسوء الحالة المزاجية قبل “الماتش” بعدة أيام، وبعده إذا ربِح الفريق المُنافس؟!
وحتمًا لن تسلم من اللوم وستحصل على تلك التفسيرات المعهودة حين طرحك لذلك السؤال : لماذا يتعصب الرجال لتلك الكرة المطاطية التي يتم ركلها بالأقدام؟!.. فستكون الإجابة بعد التهكم عليك ووصمك بعدم الفهم بل والتدني الفكري، وربما الشذوذ النفسي لكونك لست مع القطيع؛ لأن تلك الممارسة تُخفف من ضغوط الحياة التي يتعرض لها الرجال في العمل وفي طريق تحملهم المسؤلية أثناء مرورهم في طُرقات الحياة.
أوليست تلك مُزحة بحق الله!!.. فالأصل في ممارسة الهوايات هو الترويح عن النفس، فهل سمعت عن هواية تُصيب صاحبها بارتفاع في ضغط الدم وزيادة نسبة السكري وتصلب الشرايين وخلافات زوجية تصل إلى حد الكره وعدم التواصل؛ لأن هناك طرفًا يجعل الحياة الزوجية أشبه ب“جهنم الحمراء” بسبب التعصب الأعمى لفريقه؟!
عن أي تخفيف ضغوطٍ يتحدثون.. إذن فلماذا ليست المرأة من المُتعصبين لتلك الرياضة مثل الرجل؟.. بما أنَّ لا أحد ينزل الملعب ويلعب بنفسه، فالجميع على الأرائك متكئون مُشاهدون، لأنهم إن مارسوا اللعب ستتنشط الدورة الدموية في أجسادهم، ما يؤدي بدوره إلى تنشيط المُخ والتمتع بالروح الرياضية والتسامح بشكل تلقائي.
فإذا قال أحدهم لأن المرأة ليس لديها الكثير من الضغوط؛ فإن العلم يرد على ذلك بنتائج الأبحاث التي يتم إجراؤها بشكل مستمر؛ فقد أثبتت آخر الدراسات أنه ليس هناك على وجه الأرض من شخص مضغوط أكثر من زوجة ناجحة بعملها ولديها أبناء ترعاهم في كل شؤون حياتهم بالإضافة إلى مسؤولياتها الاجتماعية الواجبة.
لقد قُمتُ – بشكل شخصي- بوضع عينة عشوائية من المتعصبين صوب المُتابعة والمُراقبة؛ فوجدتُهم “أنانيين” رغم أنهم يشجعون الفريق، ولكنهم يقومون بتصرفاتٍ لا يعنيهم بها الآخر ومدى ما يسببونه من تأثير سلبي داخل روحه، ولهم بعض السمات المُشتركة كضعف الشخصية التي يُعوضونها بتلك الأفعال ومنها علو الصوتِ والتزمجر لأتفه الأسباب؛ وحتمًا علو الصوت دليلٌ على ضعف الموقف.
عزيزي القارئ..هل ترضى أن تكون صاحب الموقف الأضعف؟!.. إذا كان تشجيعُك لكرة القدم كهواية بصورة لها ملامح محددة منها الترفيه عن النفس والتنوع في الممارسات اليومية بالحياة لعدم الشعور بالملل؛ فلا بأس، فالحياة ساعةٌ وساعة.. ولكن إذا كنت ممن يتعصبون ويؤذون من حولهم، فاعلم أنك تضيعُ عمرك، فما الحياةُ إلا بضعٌ من الزمان فلا تفقد منها ساعة.