بين الدين والقانون.. عقد “سلفيني جوزكِ ساعة إلَّا ربع”
كتبت: أسماء خليل
ما لبِثنا سماعًا – بشكل شبه يومي – عن أشكال عقود جديدة مُستحدثة للزواج، ولا نعلم هل تطرح هذه الأشكال للتيسير أم للاستخفاف؟!.. وهل من الممكن أن يكون تعدد المُسميات هو تفرُّع أصلي شرعي للصورة المعهودة للزواج؟!..
ومن أشكال عقود القران أو الزواج التى تم طرحها حديثا “زواج البارت تايم”.
اقرأ أيضا.. بسبب الخلافات.. إطلاق حملة لمنع الإنجاب خلال العام الأول من الزواج
وخرجت تلك الفكرة من جُعبة أفكار “أحمد مهران الذى يقدم نفسه ب” أستاذ القانون ومدير مركز القاهرة للدراسات السياسية والقانونية” وقد أشار إلى أن زواج “البارت تايم” هو زواجًا شرعيًا بعقد لدى مأذون، ولكن يكون فيه الزواج لمدة يوم واحد فقط بالأسبوع كنظام مُشاركة الزوجة الأولى في زوجها وقتًا يسيرًا.
وكان مدعاة ذلك الرأي هو وجود أكثر من ٢ مليون مُطلقة وأرملة عائلة تحت سن الثلاثين، ولا توجد فرصة لزواجهن بسبب وجود الأطفال.
بين التشريع والرحمة
لم ينكر العديد من شيوخ الأزهر ذلك النوع من الزواج؛ وخاصةً وجود عقدَا صحيحًا بين الزوجين تتوافر فيه شروط الزواج من حيث الإشهار والإعلان.
هذا من ناحية الشَّرع، فماذا عن الرحمة؟!..
إذا نظرنا لذلك الزواج فسنجد انه أشبه بزواج المسيار.. مُتعة.. نزوات مُتقطعة.. إشباع رغبات.. وماذا عن المشاعر الزوجية في ذلك الرباط المُقدس، يقول الله تعالى في مُحكم آياته “ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ “.. سورة الروم الآية ٢١..
فلننظر إلى تلك المصطلحات “من أنفسكم، لتسكنوا، مودة، رحمة”.. ما هذا الإعجاز القرءاني!!.. إنَّ الله تعالى يبني الأسرة المُسلمة على وجود المشاعر الرحيمة والتلاحم النفسي الذي يشكل بدورهِ ترابطًا أسريًا يقدم للمجتمع أبناءًا أسوياءًا.. ولكن هل تتوافر تلك القيم السامية بزواج “البارت تايم” القائم على الوقت البسيط المُستقطع من حياة الزوجة الأولى، وربما بعدم علمها؟..
استحقاقات للرجل
يحمل زواج “البارت تايم” في طيَّاته مزيدًا من الاستحقاقات الذكورية؛ إذ أنه بإمكان الرجل الزواج بأكثر من امرأة في آنٍ واحد، بدون تكاليف ونفقات الزواج المعهودة، وهذا ما يرفضه البعض من العلماء – بشكل قطعي-إذ أن الرجل من ناحية أخرى ليس مجرد آلة بلا قلب.
وما آتاكم الرسول فخذوه
جُبِلَ المُسلمون منذ بداية اعتناق الدين الإسلامي على اتباع سنة النبي محمد – صلى الله عليه وسلم – وذلك مصداقًا لقول الله تعالى “ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ” سورة الحشر، الآية ٧..
وهنا يأتي التساؤل : هل من أصحاب النبي وفي عهدهِ من قام بزواج “البارت تايم” وأثنى عليه الرسول؟!
حتمًا لم يحدث، ولم يذكر النبي – صلى الله عليه وسلم – أو يشير بجواز أحلِّية أحد الأنواع المنبثقة من زوجات “التيك آواي”، ولم نرَ أي تصريح بذلك.
وإن خفتم ألَّا تعدلوا
عندما شرَّع الله – سبحانه وتعالى – تعدد الزوجات جعله مشروطًا، أقرب لكونه رخصة فقط لمن لديه ظروف تجعله يتزوج أكثر من واحدة، وذلك بأمره سبحانه بإقامة “العدل” كشرط أساسي لذلك التعدد، فيقول تعالى بجزء من سورة النساء الآية ١٢٩ “ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم”..أسلوب نفي يؤكد عدم استطاعة الرجل الموازنة بين بيتين بكل منهم زوجة.
يقول الله تعالى في محكم آياته “فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ”.. سورة النساء آية ٣..
وإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة!!.. فأين العدل في زوجٍ سيمنح زوجة يومًا واحدًا فقط وبمنح الأخرى ستة أيام؟!..وكذلك أسس الدكتور أحمد مهران إجازته لذلك النوع من الزواج على استئذان الزوجة الأولى بيوم واحد فقط تعطيه لأخرى، وكأن ذلك الزوج مسلوب الإرادة لا يمتلك صفات الإنسانية!!..
أخف الضَّررين أم إهانة
وهنا ربما يتكئ البعض بجواز ذلك النوع من الزيجات؛ استنادًا على كونه أخف الأضرار بدلًا من أن تعيش المرأة وحيدة بلا سند ولو يومًا واحدًا بالأسبوع؛ ولكن إذا تعمعقنا بالفكر؛ سنجد أن هذا الزواج سيكون سببا مُتأصلًا لتعاسة المرأة، فسوف تتعرض للألم النفسي وبخاصة إذا أحبت ذلك الزوج، فسيكون هذا السبب مدعاة للغيرة الزوجية والخلافات.. زواج ليس به حقوقًا مادية لامرأة يأتي رجلها البيت “عابر سبيل”، وليس لعابر السبيل التدخل في شؤون البيت، وهنا ستشعر المرأة ليس فقط بالوحدة ولكن بالإهانة من كونها موجودة بحياة رجل لكسر الملل الذي يعانيه في حياته.
شان المرأة المَعيلة
لابد من تسليط الضوء على المرأة المَعيلة ومدى ثواب الأرملة عند الله – سبحانه وتعالى – حتى لا يتلاعب بأفكارها وكرامتها ونفسيتها المُتلاعبون، إذ أنَّ الصابرة المُحتسبة ليست كأي امرأة في العالم،إنها ستزاحم النبي – صلى الله عليه – في دخول الجنة.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: “أنا أول من يُفتح له باب الجنة، إلا أن امرأة تبادرني فأقول لها: ما لك أو ما أنت؟ فتقول: أنا امرأة قعدت على أيتامي”.