محمد الحنفي يكتب: جريمة إهدار “الماء” العام !
للأسف نحن أكثر شعب مسرف في استهلاك أو إهدار الماء.. سواء في سلوكنا اليومي العادي، أو في نشاطاتنا المختلفة، دون مراعاة أننا من الدول التي تعاني فقرا مائيا، ومن الدول الأكثر تأثرا بتغير المناخ والمقبلة على التصحر والجفاف.
المصريون يستهلكون مايقرب من ضعف كميات المياه التي تأتيهم سنويا من هضبة أثيوبيا والأمطار، ويتم تعويض النقص من مخزون المياه الجوفية، أو محطات معالجة مياه الصرف أو تحلية مياه البحر، ويهدرون منها ٣٠٪ سنويا.. وهم بذلك يسطون على حقوق الأجيال القادمة في واحدة من أهم مقومات الحياة.. المياه.. أليست هذه جريمة؟!.
وعلى الرغم من هذا لا يوجد نص قانون يعاقب على جريمة إهدار المياه التي لا تقل جرما عن جريمة إهدار المال العام.
وحول جريمة إهدار الماء العام يدور مقال الكاتب الصحفى الكبير محمد الحنفي المنشور هذا الأسبوع بمجلة “المصور” وفى التالى نص المقال:
نعم .. لا أحد بريء من ارتكاب جريمة “إهدار الماء العام” التي لا تقل إجراما عن إهدار المال العام .. كلنا ومنذ سنوات طويلة نشارك في هذه الجريمة بصورة أو بأخرى رغم مخاطر الشح أو الفقر المائي التي تحدق بنا وربما لا تفصلنا عنها سوى بضع سنوات .. فمنظمة الصحة العالمية أقرت أنه بحلول عام 2025 سيعيش نصف سكان العالم في مناطق تعانى الإجهاد المائي، بسبب تغير المناخ وتزايد ندرة المياه والنمو السكاني .
ومصر “بكل أسف ” مصنفة من الدول الأكثر جفافًا في بسبب محدودية وتراجع مواردها المائية، نتيجة الزيادة السكانية الكبيرة بها .. يكفي أننا زدنا حوالي 25 مليون نسمة منذ عام 2011 حتى اليوم ، ومن المتوقع أن يصل إجمالي عددنا لأكثر من ١٧٥ مليون نسمة في عام ٢٠٥٠ وهو ما يمثل ضغطًا كارثياً على مواردنا المائية.
وصنفت مصر أيضا من الدول محدودة الموارد المائية ، في الوقت الذي تتنامى فيه احتياجاتها المائية بصورة متسارعة نتيجة التزايد السكانى، ما أدى إلى دخولها حد الفقر المائى، وتراجع نصيب الفرد من المياه خلال الـ 200 عام الماضية من 20 ألف متر مكعب لحوالي 600 متر مكعب في العام مقارنة بـ1000 متر مكعب وهو الحد الأدنى للفرد عالميًا !
وعلى الرغم من الأهمية القصوى التي تمثلها المياه للمواطن المصري ، إلا أن إهدارها بات جريمة ترتكبها الأغلبية، دون تقدير خسائرها في الوقت الحالي، والعائد السلبي الذي سينعكس على هذا المواطن من إهدارها.
إن وعي الشعب المصري حول خطورة إهدار المياه والإسراف فيها بشكل مبالغ فيه مازال غائبًا ، رغم الحملات الإعلامية و المبادرات الاجتماعية والدينية التوعوية المستمرة من أجل ترشيد استهلاكها وتعظيم الاستفادة منها وعدم الإسراف فيها.
بكل أسف .. ما زلنا نمارس عادات سيئة تساهم في إهدار المياه بشكل خطير .. مازلنا نهدر كميات كبيرة منها في رش الشوارع وغسيل السيارات.
مازلنا نستهلك كميات ضخمة من المياه في ملاعب الجولف والمنتجعات السياحية والبحيرات الصناعية.
مازلنا نعاني من انتشار مغاسل المياه العشوائية، أو المقننة في محطات البنزين، وجميعها تستهلك آلاف الأمتار المكعبة من المياه ، التي تكفي لزراعة آلاف الأفدنة سنوياً.
مازلنا نلوث النهر بمياه الصرف الصحي والزراعي ومخلفات المصانع رغم المعالجة الجزئية لها.
لا تزال مواسير المياه المتهالكة وتسريبها تعظم نسبة الفاقد في كمية المياه النقية إلى قرابة الـ50% من نسبة المياه المهدرة وتجديدها يتكلف مليارات الجنيهات .
مازال المزارع المصري مستمراً في استخدام الري بالغمر وزراعة محاصيل شرهة للمياه كالأرز والموز، رغم مخالفة ذلك للقانون !
هل تعلم يا من تفرط في استخدام أو هدر المياه أن احتياجات مصر المائية تقدر بنحو 114 مليار متر مكعب سنويًا، بينما تتراوح حصتها المتوافرة بين 60 و61 مليار متر مكعب سنويًا ! وهي عبارة عن الحصة السنوية من مياه النيل التي تبلغ 55.5 مليار متر مكعب والمهددة بالتناقص بسبب مضي أثيوبيا في بناء سد النكبة ، إلى جانب المصادر الأخرى كالمياه الجوفية والأمطار!! .
إذاً نحن أمام عجز سنوي يقدر بـ50 مليار متر مكعب ورغم ذلك نهدر قرابة الـ 30% منها!
وتعمل الدولة على سد نسبة العجز الرهيبة من خلال معالجة مياه الصرف بأنواعها لتكون صالحة لإعادة الاستخدام في الزراعة التي تستهلك وحدها 85% من المياه الصالحة للشرب .. من هنا ترتكز جهود الحكومة لرفع كفاءة استخدام المياه على محاور عديدة من بينها تبطين الترع ومشروعات الري الحديث، ، فضلاً عن مشاريع تحلية مياه البحر رغم كلفتها الباهظة.
لقد كشفت النشرة السنوية لإحصاءات مياه الشرب والصرف الصحي الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاءعن كارثة إهدار المياه النقية فى كل المحافظات، حيث بلغت نسبة الفاقد من مياه الشرب حوالى ٢٩.٧٪ على مستوى الجمهورية من إجمالى الكمية المنتجة البالغة ٩.٣ مليار متر مكعب .
يا من تهدرون الماء العام .. هل تدركون حجم التحديات المائية التي تواجهها مصر؟
تزايد السكان من ناحية ..ثم التغيرات المناخية وصولا الى سد النكبة و الملء الثاني ، الأمر الذي سيؤثر سلباً على علي حصة مصر من مياه النيل البالغة نحو 55.5 مليار متر مكعب.
قطعا لم ولن تقف الدولة مكتوفة الأيدي أمام هذه الجريمة التي تهدد حق الأجيال القادمة في المياه مصدر الحياة .. لقد دخلت مصر في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي عصر تحلية المياه.. بخطة جديدة تكلفتها 50 مليار جنيه للوصول لإنتاج 2.8 مليون متر مكعب يوميا.. أي أنها ساهمت فى الوصول لـ20 ضعف إنتاج تحلية مياه البحر!
لقد وجه الرئيس السيسى فى 29 مايو الماضي بضرورة تكامل استراتيجية تحلية المياه مع السياسة العامة للدولة للإدارة الرشيدة للمياه ، إلى جانب الاستفادة القصوى من المياه الناتجة عن كل محطات المياه المتنوعة سواء للمعالجة أو التحلية ، وكذلك توطين كل مكونات تكنولوجيا تحلية المياه فى مصر سعيا لامتلاك القدرة فى هذا المجال.
وكان الرئيس سبق وأكد في 13 إبريل الماضي على ضرورة ضمان جميع عوامل نجاح وجدارة آليات التنفيذ لتحديث وتطوير نظم الري على مستوى الجمهورية لرفع كفاءة إدارة مياه الري وتخفيض فواقد نقلها، وعلى رأسها المشروع القومي لتبطين الترع ورفع كفاءة القنوات المائية الفرعية، كما شدد على أهمية تدريب المزارعين على أعمال تشغيل وصيانة أنظمة الري الحديث وتوعيتهم إعلاميًا للتعريف بفوائد نظم الري الحديث والذكية حيث تنوي مصر التوجه نحو استخدام منظومة الري الذكي التي تعد من أحدث تقنيات الري الزراعي في العالم مما يحقق فوائد متعددة أهمها توفير كميات مياه الري، وزيادة الإنتاجية المحصولية للأراضي الزراعية.
وبالفعل بدأت مصر تشييد بعض المشروعات القومية الكبرى التي تهدف إلى ترشيد استخدام المياه وتعظيم العائد منها، حيث تقوم وزارة الموارد المائية والري خلال العام الحالي بتنفيذ المشروع القومي لتأهيل الترع والذي يهدف إلى تحسين عملية إدارة وتوزيع المياه، كما تقوم الوزارة بالعمل في المشروع القومي للتحول من الري بالغمر لنظم الري الحديث وتشجيع المزارعين على هذا التحول، لما له من أثر واضح في ترشيد استهلاك المياه ، بالإضافة إلى تنفيذ العديد من المشروعات الكبرى فى مجال إعادة استخدام مياه الصرف الزراعي، وعلى صعيد التطوير التشريعي أعدت الدولة مشروع قانون الموارد المائية والري الجديد، الجاري مناقشته حاليًا بمجلس النواب، ويهدف لتحسين عملية تنمية وإدارة الموارد المائية وتحقيق عدالة توزيعها على كافة الاستخدامات والمنتفعين.
كما تهدف الخطة الإستراتيجية للموارد المائية التابعة لوزارة الموارد المائية والري لعام 2037 إلى حماية الموارد المائية المتاحة، والتي تشمل حصتها من مياه النيل والمياه الجوفية والموارد غير التقليدية والمياه الزراعية. ووضعت الخطة هدفاً للحد من استهلاك المياه الزراعية والصناعية والمنزلية إلى 80% من الاستهلاك الحالي.
اقرأ أيضا.. محمد الحنفي يكتب: جريمة إهدار “الماء” العام !
نخلص من ذلك أن مصر بدأت تطبيق خطة شاملة لترشيد استخدام المياه الصالحة للشرب، بالتنسيق مع كل الوزارات والجهات المعنية، آملًا فى أن تنجح تلك الخطة فى تحقيق أهدافها فى أقرب وقت ممكن .
بالفعل إن شر البلية ما يضحك .. فإذا كان إهدار المال العام مُجرّما ويعاقب مرتكبوه بالسجن ، فإن إهدار الماء العام لا يعد جريمة ولا يعاقب مرتكبوه !!
أذكر أن الحكومة طرحت خلال عام 2017، مشروع قانون “تنظيم مياه الشرب والصرف الصحي”، والذي تضمن بعض المواد التي تشمل عقوبات صريحة لمن يخالف القانون أو يهدر المياه لكنه تعطل بكل أسف!
أتمنى أن تطرح الحكومة قانونا يعاقب مهدري المياه ، وأتمنى أيضا أن يدرك المواطنون حجم التحديات التي تواجهها البلاد في توفيرها ، فمصر تعاني الشح ولا تمتلك رفاهية إهدار المياه أو تلوثها.. وإذا كان من حقهم الحياة فمن حق أبنائهم وأحفادهم وجميع الأجيال القادمة من بعدهم .. الحياة قطعاً .. وعليهم أيضاً إدراك أهمية ومعنى هذه الجملة .. “قطرة مياه تساوي حياة” !