د.قاسم المحبشى يكتب: في خراب المدنية العربية

تعد المدينة، بوصفها ظاهرة اجتماعية تاريخية قديمة قدم الحضارة البشرية، من أعقد الموضوعات العلمية في الدراسات الإنسانية والاجتماعية، بما تنطوي عليه من بنية شديدة التركيب تتكون من شبكة هائلة من الأنساق والعناصر والممارسات والعلاقات والقيم والخصائص والوظائف والابعاد ومنها: ( البعد الجغرافي المورفولوجي، والبعد السوسيولوجي، والبعد السياسي والبعد الثقافي الفكري والفني والأدبي، والبعد الاقتصادي والبعد القيمي الأخلاقي والجمالي، والبعد الديني والبعد المدني..الخ).

يهمك.. د. قاسم المحبشي يكتب: أمي مدرسة الحنان السعيد

وهي لذالك تقع على تخوم عدد واسع من العلوم الإنسانية والاجتماعية والثقافية.
ورغم أهمية المدنية إلا أنها لم تحظى بما تستحقه من البحث والدراسة العلمية المنهجية الجديرة بالقيمة والاعتبار، إذ لاتزال المدينة (معناها وبنيتها وخصائصها ووظائفها وشروطها وقيمها..الخ ) في الثقافة العربية الراهنة من المجاهيل الكبرى، إذ قلما يجد الباحث في شؤونها كتابات علمية منشورة في الدوائر الأكاديمية والثقافية فضلا عن الشبكة العنكبوتية.
وحينما يواجه أحدنا سؤالا بسيطا: ماهي المدينة على وجه التحديد؟ يصيبه الارتباك والتلعثم ويكتشف جهله بالجواب! ويكتفي بالقول: أنني أعرفها ولا أعرف ماهي!.
ربما كان هذا هو أحد الأسباب التي دفعتنا في مركز فاعلون لتنظيم الملتقى الدولي السابع المكرس لبحث ودراسة (المدينة في العالم العربي)، من مختلف الزوايا والأبعاد الفلسفية والأنثروبولوجية والمورفولوجية والسوسيولوجية والسيمائية والسياسية.. الخ.
فضلا عن الأسباب الحافزة الأخرى وأهمها؛ ما تشهده المدينة وقيمها الحضرية في المجتمعات العربية اليوم من تحديات بالغة الحيوية والخطورة، إذ رأينا بأم أعيننا كيف تحولت مدن عربية عريقة كمدن (بغداد والبصرة وصنعاء وعدن ودمشق وحلب وطرابلس وبن غازي.. الخ) إلى فضاءات عنيفة وأمكنة موحشة وخطرة للعيش والعمل.
فما هي المدينة وكيف يمكننا مقاربة مفهومها ابستمولوجيا؟ وما الفرق بين مفهومي مدينة ومدنية؟ وما هي السمات والخصائص التي تميز المدينة عن أماكن العيش الأخرى كالأرياف والقرى؟ وكيف تطورت المدينة ومفهومها في السياق التاريخي الإنساني العام والعربي تحديدا؟.
وماعلاقة المدينة بالدولة وأشكال الهيمنة السياسية؟.
وكيف نستشكل المدينة سوسولوجيا بوصفها فضاءا عاما للحياة الاجتماعية المشتركة للمواطنين المقيمين والوافدين؟.
ومن أي زاوية يمكننا الاطلال على الملامح الأنثروبولوجية للمدن العربية؟.
وكيف يمكن تمثل وتمثيل المدينة العربية سيميائياً؟.
وما أوجه التشابه والاختلاف بين المدن والأرياف في المجتمعات العربية الراهنة؟.
وماهي عوامل وشروط نمو وتنمية المدن واستقرارها وازدهارها؟.
وكيف يمكن تفسير أسباب تدهور المدينة ووظائفها وقيمها في العالم العربي اليوم؟.
وغير ذلك من القضايا المتصلة بالمدينة ودوائرها بالعالم العربي؛ كالتخطيط الحضري، والبنية التحتية، والمؤسسات الخدمية، وفرص العمل والعيش الكريم والتنمية الاقتصادية، ومجال العدل والقضاء وحقوق الإنسان، ودور الثقافة والفنون الجميلة، ووضع المؤسسات التعليمية والأكاديمية ومنظمات المجتمع المدني. الخ
ومن المفارقات التاريخية في المجتمعات العربية أن أبناء الأرياف والبوادي والقفار والصحاري استأثروا بفرص الحياة والعيش أكثر بما لايقاس من أبناء المدن التاريخية البحرية والنهرية والحضارية وبدلا من يتم تمدين الأرياف والبوادي تم ترييف المدن والحواضر.

زر الذهاب إلى الأعلى