“هيومن رايتس ويتش”.. المراقب الأعمى
كتبت: فضيلة الحسيني
الأصل فى مهمة منظمة هيومن رايتس ويتش هو مراقبة حقوق الإنسان حول العالم و أى قرارات أو تدابير قد تتخذها بعض الدول أو السلطات و التى من شأنها التأثير على تمتع شعب ما، أو مجموعة عرقية بحقوقها على المستوى الإنساني.
لكن المتابع لإداء المنظمة في السنوات الأخيرة يلاحظ بكل سهولة أن حاسة المراقبة لدى المنظمة تعاني العطل البين، فقوة ابصارها تصل إلى أعلي مستوياتها طالما الأمر يتعلق بالدول العربية و حكوماتها و دياناتها و ايدلوجياتها، لكن عندما يتعلق الأمر بأمريكا و ما تشيعه في العالم من فساد علي كافة الأصعدة لاسيما حقوق الإنسان، تجدها اصيبت بالعمى مع سبق الإصرار و الترصد.
يهمك.. وائل سليمان يكتب: التاريخ الأسود لـهيومن رايتس ووتش
و فيما يلى أريد أن أفقأ عيونهم، و اعرض أمام عقولهم التى لا تفقه الإ الانسياق المريض وراء رعاة البقر واقع مؤلم يصاحبنا كل يوم:
ما رأى هيومن رايتس ويتش فيما حدث في أفغانستان؟
عملية سطو مسلحة مفضوحة و علنية أمام العالم كله، السارق طالبان و المسروق دولة ذات تاريخ عريق و تنوع سكاني لا يجهله أحد مثل أفغانستان و طبعا برعاية أمريكية لمثل هذه الجريمة السياسية و التاريخية و الإنسانية.
ربما تعانى هيومن رايتس من تعطل بخدمة الإنترنت، فلم تشاهد التغطية الآنية القنوات الاخبارية و وسائل التواصل الاجتماعي لنتائج الرعب اللامحدود الذى اصاب أفراد الشعب الإفغاني، و تعلقهم الحثيث بعجلات أحد الطائرات الأمريكية المغادرة لمطار كابول بعد انتقال السلطة لطالبان.
داخل الطائرة مواطني أمريكا يتمتعون بكل الأمن و الحماية و المأكولات و المشروبات، في الخارج على عجلات الطائرة الأفغان و قد لعب الرعب بقلوبهم و لسان حالهم بعد عملية غسيل مخ ليست بعسيرة على الأمريكان يقول: إلى الجحيم يا وطني، سأهرب لانقذ نفسي!
و قبل أن نصب لعناتنا علي هؤلاء المساكين، وقع واحد أو اثنين منهم بعدما حلقت الطائرة بثوان، و لك أن تتخيل مصيرهم!
لم تهتم هيومن رايتس ويتش أن تحقق لما تعمد الطيار التحليق رغم علمه و رؤيته لكل هؤلاء المساكين؟ و لم تحقق فى تدابير أمريكا لانتقال السلطة بهذه الكبيرة كبيرة المساحة و ذات الموقع الجغرافي المؤثر في مجريات الأمور في منطقة آسيا الوسطى.
مع الأيام الأولى لسيطرة طالبان اغلقت المئات من الاذاعات و الجرائد و اعلنت المساجد تنفيذ قواعد طالبان الشرعية و انصاعت محلات الحلاقة بعدم تشذيب لحى الرجال، و أمرت الإناث بالتزام البيوت و عدم الخروج بلا رجالهن مع ارتداء حجاب يغطى الوجه.
فى حين عرضت ماكينات الاعلان الأمريكي قصص لبعض الناجحين فى الفرار من نيران طالبان إلى أحضان الجنة الإمريكية طلبا للجوء السياسي مثل مطربة مغمورة تخشى على نفسها من عقاب طالبان
و طبعا لم تهتم هيومن رايتس باصدار أي تقارير حول الوضع الانساني داخل افغانستان حاليا، فالمراقب الأعمى لا حول له و لا قوة!
فمؤخرا اصبح دورها هو السماح للأنظمة القمعية مثل طالبان باللعب كيفما يحلو لها مدامت أمريكا لم تعطها الضوء الأخضر للاعتراض، خاصة أنها تعانى الفشل الذريع في جمع الأدلة و عدم الاعتراف بما تقترفه من أخطاء أثناء أعمالها فى مراقبة حقوق الانسان مثل علاقات موظفيها الوثيقة بالحكومة الأمريكية أو اصدار العديد من التقارير حيال الصراع العربي الإسرائيلي في حين تغض الطرف عن صراع دام لعقود متتالية مثل الحرب فى كشمير، فتلك البقعة لا تهم أمريكا مثلما تهتم بفلسطين و افتعال قلاقل فى العالم العربي.
و لا شيء يصف الواقع بحق مثل شاب أفغاني قابلته فى منطقة أحمد سعيد بالقرب من مدينة الأزهر الطلابية، و عندما سألته: كيف الحال فى بلادك؟
فرد قائلا: سأدرب قلبي على نسيان وطني إلى حين، فالوضع سيسوء و يسوء، و لن يحرك العالم ساكنا، و سأنتظر فرج الله.
و هكذا عالمنا ألعوبة بين أصابع الهيمنة الأمريكية من حربها بالعراق ثم السودان لعقوباتها على ايران ثم اجتياحها لافغانستان، و هيومن رايتس ويتش عجوز أعمى يتعثر فى خطواته لا يرى الإ ما تريده أمريكا.
و لا أرى تحرير من هذه القيود إلا التكاتف لعدم أخذ تقارير هذه المنظمة المشكوك فى نواياها بعين الاعتبار و رفض تواجد موظفيها فى كافة أماكن الاحتقان، فنحن من سمحنا لها بالتمتع بمكانة ليست بهينة على مسرح الأحداث السياسية العالمية، حان الوقت أن نضعها فى الموقع الذى تستحقه، مجرد مراقب أعمى!