أمل محمد أمين تكتب: متى يستقر نظام الثانوية العامة في مصر؟!
ظهرت نتيجة الثانوية العامة وكالعادة تباينت ردود الفعل بين الأفراح والجنازات فقد انتحر بعض الطلاب من شدة الحزن وبعضهم احتفل من شدة الفرح.
وبعد أن ظهرت النتائج جاءت التوزيعات المختلفة لدخول الكليات فيما يعرف بالتنسيق وبالطبع تخلى العديد عن أحلامهم في الالتحاق بكليات معينة على الرغم من أنها ليست من كليات القمة المعروفة- الطب والهندسة والصيدلة، ولم تكن تلك الخسارة الوحيدة التى حدثت لطالب الثانوية العامة المسكين بل يكفي أن تنظر في عيون والديه الحزينة لتعرف مقدار الألم الذي لحق بهما مع نظرة شماتة أحيانا من أقرانه وأقاربه في نفس العمر، فالمجتمع خاصة في مناطق ذات طابع اجتماعي معين في مصر لا يرحم الفتى أو الفتاة ذوي المجموع المنخفض.
لكن إلى متى ستظل الثانوية العامة تخلق حالة من الهلع والرعب وسط صفوف الطلاب وذويهم؟! ولماذا كل هذه التغيرات على شكلها؟
فقد كان أول ظهور لمفهوم التعليم الثانوي عام 1825 تحت مسمى “التجهيزي” ووُضع النظام بهدف إعداد الطلاب لدخول التعليم في المدارس العليا كالطب، المهندسخانة “الهندسة”، الحقوق، وغيرها، وكان التعليم في هذه المراحل يتم بشكل منفصل في كل حكمدارية “مديرية التربية والتعليم حاليا”، حتى عام 1887م عندما عقد أول امتحان موحد لعدد من المدارس، ليطلق على هذا الامتحان بعد ذلك “الشهادة العمومية” لعمومية الامتحانات بها، وكان التعليم بها 4 سنوات .
وفي عام 1891 زادت مدة الدراسة في التعليم التجهيزي “الثانوي” لـ 5 سنوات منذ بداية الاحتلال الإنجليزي، وفي عام 1897 خفضت تلك المدة إلى 3 سنوات بسبب حاجة الحكومة للمتعلمين لشغل الوظائف العامة ، وفي عام 1905 استمرت 4 سنوات ولكن قسمت على قسمين مدة كل قسم سنتين، ينتهي القسم الأول بامتحان يحصل الناجحون فيه على “شهادة الأهلية”، والقسم الثاني تتشعب فيه الدراسة إلى شعبتين (أدبية وعلوم).
وفي عام 1907م تم إلغاء شهادة الكفاءة، وسميت “القسم الأول من الشهادة الثانوية”.
وفي عام 1928 زادت مدة الدراسة إلى خمس سنوات تنقسم إلى مرحلتين: الأولى مدتها 3 سنوات يحصل الناجحون في نهايتها على “شهادة الكفاءة”، والثانية مدتها سنتان يتخصص فيها الطالب في إحدى الشعبتين “العلمية أو الأدبية” ويحصل الناجحون في نهايتها على “شهادة البكالوريا”.
و في عام 1935 استمرت مدة الدراسة في المرحلة الثانوية 5 سنوات ، ولكن تحول تقسيمها إلى مرحلتين: الأولى مدتها 4 سنوات تنتهي بامتحان الثقافة العامة “القسم العام”، والثانية مدتها سنة دراسية واحدة “سنة التوجيه”، يحصل الطلاب في نهايتها على شهادة الدراسة الثانوية العامة “القسم الخاص”، وتتشعب فيها الدراسة إلى ثلاث شعب هي: العلوم، الآداب، الرياضيات، وتخضع لإشراف جامعي على امتحاناتها.
ثم بعد ذلك أصبحت مدة الدراسة بالمدارس الثانوية للبنات 6 سنوات اعتبارًا من سنة 1937 ، وكانت مقسمة إلى مرحلتين: الأولى مدتها 5 سنوات للثقافة العامة، والثانية مدتها سنة واحدة “مرحلة التوجيه”.
وفي عام 1951 توحدت المناهج ومدة الدراسة بين مدارس البنين ومدارس البنات الثانوية لتكون 5 سنوات ، وأعيد تقسيمها لتكون على ثلاث مراحل، الأولى مدتها سنتان يحصل الناجحون في نهايتها على شهادة الدراسة المتوسطة، والثانية مدتها سنتان ويحصل الناجحون في نهايتها على شهادة الثقافة العامة، والثالثة مدتها سنة وتنقسم فيها الدراسة إلى “علمي وأدبي”، ويحصل الناجحون في نهايتها على شهادة التوجيهية.
وفي عام 1981 أدخلت وزارة التربية والتعليم نظامًا جديدًا على الثانوية العامة، وتم تصنيف القسم الأدبي إلى شعبتين أيضًا، وكان التخصص يبدأ منذ الصف الأول الثانوي، ولم يستمر هذا النظام طويلًا.
ثم في 1988 أُلغي نظام الثانوية الذي تم إقراره عام 1981، وعادت الثانوية إلى نظام السنة الواحدة، فكان الصف الأول والثاني الثانوي دراسة عامة، والتخصص يقع في الصف الثالث فقط الذي كان بمثابة سنة الشهادة.
وفي 1991 تعدل نظام الدراسة في الثانوية العامة، وتم إدخال المواد الاختيارية لدراسة ميول وقدرات الطلاب، وكذلك كان هذا أول عام يتم فيه دراسة المستوى الرفيع للطلاب، بما يساعد على زيادة مجموع الطلاب.
وفي عام 1994دخلت الثانوية العامة نظام المرحلتين، حيث تحولت الدراسة الثانوية إلى النظام الممتد بين العامين الثاني والثالث الثانوي ، و كانت الدراسة تتم بموجب مواد إجبارية ومواد اختيارية يختارها الطالب عند التخصص في الصف الثانى الثانوي، و كانت درجة الطالب تُحسب بمتوسط ما حصل عليه من درجات في العامين الثاني والثالث للثانوية العامة.
وقد دخل في نفس العام نظام تحسين المجموع، ووفقًا لهذا النظام كان يحق للطالب دخول الامتحان لخمس مرات بغرض تحسين مجموعه.
وفي عام 1996 أُلغي العمل بنظام التحسين، وظلت الثانوية العامة تدرس بنظام العامين وبنظام الشعبتين، وظل الأمر كذلك حتى ثورة يناير.
وفي عام 2013 بدأ العمل بنظام جديد للثانوية العامة، وتم إلغاء نظام العامين، لتكون الثانوية العامة عام واحد فقط مع وجود 3 شعب أدبى وعلمي علوم، وعلمي رياضة.
وفى 2018 أعلن الدكتور طارق شوقي، وزير التربية والتعليم والتعليم الفني الحالي، عن تطوير الثانوية العامة من خلال النظام التراكمي الذي يقضي على ازمة اعتماد المجموع على السنة الواحدة يعتمد في الأساس على حصول الطالب على مجموع تراكمي في الثانوية العامة بسنواتها الثلاثة أسوة بالجامعات، وجاءت كورونا لتغير شكل النظام التعليمي في مصر وباقي دول العالم وأصبحت الدراسة ولأول مرة تتم بالكامل افتراضيا عبر الأثير مما سبب بلبلة كبيرة لقطاع عريض من الأهالي والطلاب وعلى الرغم من مرور أكثر من عام ونصف على بداية الجائحة لكن الطالب لم يعتد بعد على النظام الجديد وعدم وجود دروس خصوصية وهو ما اعتاد عليه الأسر في مصر، وظهر نظام تعليمي جديد يعتمد على إجراء بحوث لتتعمق المعلومات في ذهن الطالب بدلا من الحفظ والتلقين.
لكن على أرض الواقع لم يعتد الطالب بعد على نظام التابلت ولم تكن البنية التحتية تسمح بوجود الانترنت بصفة مستمرة للطلاب، كل هذا خلق نوع من السخط والضياع لدى الطالب والأسرة ليصبح هناك فجوة تواصل بين الوزارة والمجتمع وعدم وضوح للرؤية ولا المطلوب من الطالب ليحسن أدائه وهي فوضى نرجو أن تنتهي قريبا وتظهر النتائج الإيجابية لنظام التابلت.
ختاما على الرغم قرابة المئتي عام على ظهور مفهوم الثانوية العامة في مصر لكن مازال هذا النظام أشبه بقطعة قماش بالية تحاول كل الحكومات على مدار السنوات رتقها لتصبح أفضل ولتكون ميزان عدل يتم من خلاله توزيع الطلاب على الجامعات لكن مع مرور الوقت أثبت هذا النظام فشله فلا يمكن قياس الإبداع والشطارة لدى الانسان من خلال امتحان او في فترة زمنية معينة فالقدرات تختلف والظروف أيضا فكيف يمكن وضع كل الطلاب والطالبات في كفة واحدة على اختلاف قدراتهم ومهاراتهم، لا بد من ايجاد نظام جديد يكتشف المواهب ويسمح بخلق جيل مبدع بدلا من هذا النظام المصمت والعقيم.