طارق متولى يكتب: الفشل الأمريكى
يبدو أننا بصدد معاينة أفول الإمبراطورية الأمريكية وانتهاء سيطرتها على العالم، مثلها مثل كل الامبراطوريات الكبرى التى تمر بمراحل بزوغ ونمو وذروة ثم انحدار ونهاية.
وقد سلط مشهد الإنسحاب الأمريكى من أفغانستان أكثر الضوء على السياسة الأمريكية وعلى الوضع الأمريكى بعد عشرين عاما من التواجد على الأراضى الأفغانية، ومحاولة فرض النظام الأمريكى على الحكم فى أفغانستان التى تعتبر معقل للجماعات الإسلاموية التى تتهمها أمريكا بالتشدد والتطرف.
ولو ربطنا هذا الفشل الأمريكى فى أفغانستان بالفشل فى سوريا أمام روسيا، وعدم استطاعتها فرض حل للمسألة السورية، وفشلها فى العراق بعدما وعدت بعصر جديد من الحرية والديمقراطية والرخاء والتقدم، وإذا بالعراق يغرق فى الطائفية والصراع ولا يستطيع النهوض مرة أخرى حتى اللحظة، لوصلنا إلى نتيجة مفادها أن أمريكا لم يعد لها اليد الطولى فى العالم، وأن هناك قوى أخرى ظهرت فى المشهد، أو عادت إليه، وأصبحت تتقدم على أمريكا فى السيطرة على مجرى السياسة العالمية، مثل روسيا وإيران وتركيا ومصر وقد ظهر هذا واضحا فى سوريا والعراق وليبيا.
من ناحية أخرى ظهر الفشل الأمريكى والضعف الأمريكى فى الداخل بوضوح منذ مايقرب من أربع سنوات عندما تولى الرئيس دونالد ترامب مقاليد الحكم وكشف الغطاء عما يدور تحت السطح فى المجتمع الأمريكى من دعوات عنصرية عرقية من البيض الجمهوريين، أو النازيين الجدد مثل حركة (kkk) وحركة اليمين البديل ضد السود والمهاجرين والمثليين واليهود والتى كانت مؤيدة للرئيس ترامب فى قراراته بمنع دخول المسلمين وبناء الجدار العازل على الحدود المكسيكية لمنع دخول المهاجرين إلى الأراضى الأمريكية.
وهذه الحركات وأن كانت قليلة العدد إلا أنها تعبر عن نار تحت الرماد، فالمجتمع الأمريكى نفسه لازال يعانى من عنصرية ظاهرة وواضحة للعيان وأن كانت محكومة بالقانون فلا زال هناك أماكن للسود فقط وأماكن للبيض، وإن كانوا متساوين فى الحقوق إمام القانون الرسمى للبلاد، إلا أنهم لا زالوا منفصلين من الناحية المعنوية، فالبيض لا يختلطون بالسود ولا بالمهاجرين إلا نادرا ولا زال هناك حالة من التربص بين طوائف المجتمع من البيض والسود والمهاجرين واليهود والكاثوليك.
ومن الناحية الاقتصادية نجد أن طبقة العمال والتى معظمها من السود والمهاجرين، تعانى من تدنى مستوى الدخل والأجور والمرتبات بينما ينعم غالبية البيض بالسيطرة على الثروة والإقتصاد، وهى المعركة الدائرة بين الحزب الديمقراطى الذى يحاول رفع مستوى معيشة هؤلاء وبين الحزب الجمهورى الذى يؤيد تفوق رجال المال والأعمال على حساب العمال.
حتى الديمقراطية التى تقوم عليها البلاد فى أمريكا اهتزت بقوة فى الإنتخابات الأخيرة التى فاز بها الرئيس جو بايدن عندما اقتحم مجموعة من أنصار ترامب الجمهورى مبنى الكونجرس رمز الحكم وخربوه وما حدث من شد وجذب وتوتر ورعب من انهيار العملية الديمقراطية قبل إعلان النتيجة.
كل هذه الأحداث تنبأنا أننا بصدد مرحلة تحرر من النفوذ الأمريكى على مستوى العالم وبالتالى التحرر من سياسة القطب الأوحد وإحتكار القوة واستبدالها بسياسة القوى المتعددة وبحق الدول والشعوب فى تقرير سياستها ومصائرها.