رشا ضاحي تكتب:رحلة (١٤) المهيمن
تتواصل رحلتنا مع أسماء الله الحسنى ونتحدث اليوم عن اسم الله ( المهيمن )
ورد هذا الاسم في القرآن الكريم مرة واحدة في قوله سبحانه وتعالى:
﴿هُوَ اللَّهُ الَّذي لا إِلهَ إِلّا هُوَ المَلِكُ القُدّوسُ السَّلامُ المُؤمِنُ المُهَيمِنُ العَزيزُ الجَبّارُ المُتَكَبِّرُ سُبحانَ اللَّهِ عَمّا يُشرِكونَ﴾(الحشر: ٢٣)
وقد ورد مرة ثانية صفة للقرآن الكريم في قوله تعالى:
﴿وَأَنزَلنا إِلَيكَ الكِتابَ بِالحَقِّ مُصَدِّقًا لِما بَينَ يَدَيهِ مِنَ الكِتابِ وَمُهَيمِنًا عَلَيهِ ﴾
(المائدة: ٤٨)
وقد تم تفسير المهيمن هنا بالشاهد أي شاهداً عليه، كذلك روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: المهيمن الأمين
فكأنه قال: مصدقاً لما بين يديه من الكتاب وأميناً عليه، والتفسيران متقاربان
ولم يرد هذا الاسم في السنة النبوية.
ومعنى الاسم الكريم هو المسيطر على كل الأمور
في كونه سيطرة عن علم شامل وقدرة تامة ،فهو رقيب شهيد ، عليم قادر، القائم على خلقه، الشهيد عليهم
ومن المعاني كذلك: أنه المطلع على خفايا الأمور وهذا يشمل معنى علمه سبحانه وتعالى.
يقول الشيخ السعدي: “المهيمن المطلع على خفايا الأمور فكونه عالم هو يعلم سرك وعلانيتك يعلم الصالح لك من الفاسد، فلذلك {..وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ..}
فهو المطلع على خفايا الأمور وخبايا الصدور
{يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ}” (الطارق:٩).
فالمهيمن اسم يجمع صفات ثلاث: أحدها العلم بأحوال الشيء، والثاني: القدرة التامة على تحصيل مصالح ذلك الشيء، والثالث: المواظبة على تحصيل تلك المصالح، فالجامع لهذه الصفات اسمه المهيمن، ولا تجتمع تلك الصفات إلا لله سبحانه وتعالى
ذلك أنه يملك العلم الكامل ، والقدرة الكاملة لا نهاية لعلمه ولا نهاية لقدرته
ومن صور هيمنته جل وعلا أن النار تسمع وتطيع :
ففي قصة خليل الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام عندما كسر أصنامهم إلا كبيراً لهم فكان قرار الكفار هو ﴿قالوا حَرِّقوهُ وَانصُروا آلِهَتَكُم إِن كُنتُم فاعِلينَ﴾
(الأنبياء: ٦٨)
ولكن قرار الله المهيمن على كل شيء كان قد سبق قرارهم ﴿قُلنا يا نارُ كوني بَردًا وَسَلامًا عَلى إِبراهيمَ﴾
(الأنبياء: ٦٩)
فمن الذي عطل الإحراق من النار فجعلها بردا وسلاما على إبراهيم عليه الصلاة والسلام
إنه المهيمن جل وعلا
واسمه المهيمن سبحانه وتعالى يجمع بين علمه التام وقدرته الشاملة ورحمته الواسعة .
لكن كيف يكون في الهيمنة رحمة ؟!
النبي عليه الصلاة والسلام أوضح هذا المعنى لما رأى امرأة تبحث عن طفلها في الأسرى حتى وجدته فاحتضنته وأرضعته فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
أَتَرَوْنَ هَذِهِ الْمَرْأَةَ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ ؟ قُلْنَا : لاَ وَاللَّهِ ، وَهِي تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لاَ تَطْرَحَهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا ) .
اقرأ أيضا.. رشا ضاحي تكتب: رحلة (١٣) الوهاب
فهيمنة الله عز وجل هيمنة عطف وحب ورحمة، فكما أن الأم ترعى طفلها تحوطه تعتني به فإنها تهيمن عليه هيمنة كلها رحمة ورعاية .
ومن آثار اسم المهيمن أنه يورث العبد رقابة لأعماله وحذراً من مخالفة أوامر ربه، فمن أيقن بأن الله تعالى شاهد عليه ومطلع ورقيبٌ على أعماله زاد حرصه على اجتناب المعاصي والسيئات، خصوصاً في حالات السر حيث يغيب عنه الخلق، فيعلم أن الله تعالى يشاهده ويطلع عليه، فتقوى إرادته على ترك ما حرّم الله تعالى.
و كذلك من آثار هذا الاسم العظيم، أنه يورث القلب القدرة على مواجهة مصاعب الحياة ومتاعبها، ويعين العبد على القيام بالمأمور من الصبر على مُر القضاء، لإدراكه أن الخالق سبحانه وتعالى مُطلَع على أمور عباده قائمٌ عليها، فلن يختار لعباده إلا ما هو الأصلح لهم والأنفع لعاقبتهم، مهما كانت صنوف المكاره وأنواع المضارّ، فلعلّ في ثنايها الخير الكثير،
والفضل الكبير
﴿ فَعَسى أَن تَكرَهوا شَيئًا وَيَجعَلَ اللَّهُ فيهِ خَيرًا كَثيرًا﴾
(النساء: ١٩)
حتى نلتقي دمتم في رعاية الله