د. ناجح إبراهيم يكتب: ذكرى 11 سبتمبر.. هل تعلمنا الدرس؟
دائما وأبدا، ما تسىء “القاعدة وداعش” وأخواتهما لفريضة الجهاد، حينما تضع السيف فى المكان والزمان وبالطريقة الخطأ فتسفك الدماء الحرام وتزهق الأرواح المعصومة، هذا ما يراه الكاتب والمفكر الدكتور ناجح إبراهيم، ويفسر على أساسه أحداث 11 سبتمبر التى لم يتعلم منها أحد، ولم يستفد من دروسها أحد، فماتت القاعدة لتخرج داعش والحشد الشعبى، وأخواتهم كما يقول فى مقاله المنشور فى صحيفة “الشروق” بتاريخ الجمعة 10 سبتمبر 2021، وفى التالى نص المقال:
تمر هذه الأيام ذكرى تفجيرات 11 سبتمبر التى لم يتعلم منها أحد ولم يستفد من دروسها أحد فماتت القاعدة لتخرج داعش والحشد الشعبى وأخواتهما، لقد تغير العالم تماما بعد تفجير البرجين حتى إن كثيرا من المحللين قسم العالم إلى عالم ما قبل 11 سبتمبر وعالم ما بعده.
لقد كانت لحظة انهيار برجى التجارة الأمريكيين بواسطة القاعدة هى لحظة الإبهار الكاذب التى جعلت بعض الشباب المتحمس ينضم للقاعدة دون تبصر أو إدراك أن القاعدة خرقت فى الفقه الإسلامى خرقا غير مسبوق وذلك بإطلاقها لأول مرة فى تاريخ الإسلام فتوى القتل بالجنسية والقتل بالديانة وتبنى مسئولية المواطن عن سياسة دولته.
لقد أساءت القاعدة وداعش وأخواتهما لفريضة «الجهاد» حينما وضعت السيف فى المكان والزمان وبالطريقة الخطأ فسفكت الدماء الحرام وأزهقت الأرواح المعصومة.
حينما أسقطت القاعدة برجى التجارة هلل بعض السذج وقليلو البصيرة دون أن يتأملوا شرعية ذلك أو العواقب الوخيمة له وأنه ستسقط لدى الإسلام والعروبة أبراج أهم هما «أفغانستان والعراق».
لقد فتحت 11 سبتمبر النيران على كل ما هو إسلامى وأدخلت الإسلام والمسلمين وبلادهم فى مواجهة غير محسوبة ولا مرغوب فيها ولم تستعد لها بلاد العرب الذين خسروا كثيرا فى معركة فرضتها عليهم القاعدة.
أزمة القاعدة الكبرى أنها لم تقرأ التاريخ القديم أو الحديث جيدا، ولم تفهم يوما نتائج ضرب اليابان لبيرل هاربر ولا رد أمريكا فى الخمسينيات على ذلك.
لقد توقف عقل القاعدة عند رد فعل كلينتون على تفجير القاعدة لسفارتى أمريكا فى تنزانيا وكينيا، فقد أطلق كلينتون صواريخ كروز على معسكرات القاعدة المهجورة، وثمن الصواريخ كان أغلى بكثير من خيام المعسكرات.
سخرت القاعدة من أمريكا وكلينتون «وظنوا أنه فى كل مرة ستسلم الجرة» منع الملا عمر القاعدة من فعل أى شىء انطلاقا من بلاده، أعطت القاعدة صكوك الطاعة مرة أخرى للملا عمر فى الوقت الذى كانوا يجهزون فيه لـ 11 سبتمبر.
اعترض بعض قادة القاعدة على تفجير 11 سبتمبر، لم يتوقع قادتها نجاح الخطة، خالد بن شيبة صاحب الفكرة استطاع أن يقنع بها بن لادن.
تجربة اليابان تقفز إلى الذاكرة عقب سقوط البرجين فى 11 سبتمبر وذكراها، ويقفز إلى الذاكرة أيضا ذلك النصب التذكارى المقام لتخليد ذكرى ضحايا قنبلة هيروشيما والذى يحمل أسماء أكثر من 220 ألف شخص هم الذين لقوا مصرعهم أو تعرضوا للإشعاع.
ولم تكن اليابان تريد حربا طويلة مع أمريكا كانت تهدف إلى توجيه ضربة قاضية للقلعة الأمريكية العائمة فى المحيط الهادى حتى تجبر أمريكا على الانسحاب من جنوب شرق آسيا وتكف عن مساعدة الصين.
كانت اليابان تظن أن أمريكا لن تحارب فى جبهتين، وقد أثبتت الحرب خطأ اليابانيين؛ حيث ردت الولايات المتحدة بدخولها الحرب العالمية الثانية وضربت اليابان بالقنبلة الذرية ودمرت هيروشيما ونجازاكى.
إذا كانت أمريكا فعلت ذلك فى الخمسينيات فما الظن وقد سقطت هيبتها وكرامتها مع أبراجها القوية داخل أمريكا وفى وقت عرسها وارتدائها ثوب الإمبراطورية والقطب الأوحد والزمن الأمريكى؟
لا شك أنه بحجم الإهانة والأثر النفسى على المواطن الأمريكى المغرور ستلجأ الولايات المتحدة إلى رد فعل غير عقلانى أيضا، خاصة مع وجود من ينمى هذا العداء داخل الإدارة الأمريكية من يهود ويمين مسيحى متطرف، وذلك كله أدى إلى سقوط برجين عظيمين من أبراجنا واحتلالهما هما أفغانستان والعراق، وقتل وتشريد الملايين من أبنائهما، ولو قرأ القاعدة أحداث هيروشيما ونجازاكى ما قامت أبدا بأحداث 11 سبتمبر والغريب أن القاعدة هربت من أفغانستان إلى باكستان وإيران وتركت الشعب الأفغانى المسكين يواجه مصيره وحده فكل قادة القاعدة تم اصطيادهم فى باكستان، لقد دمروا بفعلتهم القاعدة وأفغانستان وطالبان وأضاعوا كل شىء، والغريب فى الأمر أن العقل العربى والإسلامى ما زال يصر على نظرية المؤامرة وأن القاعدة لم تفجر البرجين كما يصر حتى اليوم على أن التكفير والهجرة لم يقتل الذهبى أو يصر على أن المخابرات من هنا وهناك هى التى قتلت السادات أو أن الحكومات المتعاقبة فى مصر هى التى تقوم بكل التفجيرات فى جيشها وشرطتها لتوريط الإسلاميين، إذا استمر العقل العربى فى تبنى نظرية المؤامرة وإهمال فقه المراجعة وفقه المصالح والمفاسد وفقه المآلات والنتائج فلا أمل فيه.
والسؤال الآن فى ذكرى 11 سبتمبر: لماذا نترك التاريخ يعيد نفسه بدلا من أن نعيد نحن كتابته من جديد بالإيمان العميق والعمل الصالح والفهم الدقيق.
ربما لا نستطيع أن نفعل شيئا جديدا، لكننا نستطيع أن نستفيد من تاريخ طويل للتجارب الفاشلة والأخطاء القاتلة، أليس كذلك؟!