أسماء خليل تكتب: تليفزيون لكل مواطن
يُحكى أنه في سالف العصر والأوان كان هناك جهازًا صغيرًا مثل البللورة المسحورة تلتف حوله الأسرة فيسحرهم وينقلهم جميعًا إلى عالمٍ آخر، وهم يعيشون أجمل أوقات حياتهم..
وبعد مرور الزمان تم اختراع أجهزة صغيرة تحل محله، جعلت كل فرد من أفراد الأسرة في عالمه الفريد.. وأصبح الناس يتساءلون.. . أين ذهب التلفاز أو التليفزيون؟!.. لم يكن أحد يتوقع أن يغيب دوره في حياتنا بهذا الشكل!!
وفي الواقع، لم تنحصر قيمة التليفزيون في كونه مليئًا بالثقافة والعلوم والفنون فقط ، ولكنه كان يلعب دورًا آخرًا لم يستطع أي جهاز بعده أن يقوم بذلك الدور، والآن لا يمكن لم شمل الأسرة مرة أخرى سوى بالأفراح والمآتم.
لقد تم اختراع تليفزيونًا لكل مواطن، جهازًا أصغر قليلًا يُجمِّع جميع الناس بالعالم عن طريق التواصل الاجتماعي ويُفَرِّق أفراد الأسرة الذين يعيشون تحت سقفٍ واحد.
“أشتاتًا أشتوت”.. إنه “العفريت”.. فما عليك إلَّا أن تضغط على زِر التشغيل، إلَّا وتجدهُ يقول لك “شُبيك لُبيك”.. فإذا أردتَ ترفيهًا بالغوص في عالم البحار، أو الانزلاق إلى مجاهل إفريقيا أو رؤية سطح القمر.. أوجدهُ لك.. إذا أردتَ مُعلِّمًا يعلمك وجدت.. إذا أردت أن تتعلم الطبخ سيُحضرُ لك.. لن يرفض لك شيئًا أبدًا حتى إذا طلبت إقامة علاقات مُحرمة.. أحضر لك.
وأصبح “ياوِلداه” مُلاصقًا بال“بني آدم” منذ ولادته.. يُسكت صُراخ الأطفال الرُّضع بمجرد ان يُمسكوا به، ويلهي الأبناء عن مضايقة أبويهم وتعلم الخبرة الحياتية منهم.. كما يشغل الأبناء عن تناول الوجبات فيضعف مناعتهم.
لا يمكن بأى حال نسيانه في أي مكان؛ فقد أصبح هو الظل المُلاصق للفرد أينما ذهب كأنه أخيه الذي في باطن الأرض..
وبات تعطُّلهُ عن العمل يعني الهلاك!!..ضياع “الشاحن” يعني الدمار!!.. فقدانه هو يعني الانهيار.. ولم يكن يتصور اي شخص بالعالم أنه سيأتي زمنٌ يُصبح مجرد جهاز صغير هو الصديق للإنسان.. مُرافقًا له يجلس معه أكثر من أي فرد بعائلته، يُطلعهُ على أسراره ومكنونات نفسه، بل هو الحياة بالنسبة للإنسان.
إنَّ الإنترنت – الآن – يقوم بفعل كل شيء.. يُربي للناس أبناءهم ويبث داخلهم ما يريد من المفاهيم واللاقيم.. ويُعرفهم بمن يرى هو.. وهؤلاء البشر يتركونهم بكل أريحية، وقد تناسوا أنه بلا “ضمير”.
وصار الإنترنت يظهر قدر التربية التي تلقاها كل فرد بالمجتمع..
ويكشف كل وجهٍ على حقيقته أمام نفسه.. أن ماذا يفعل في الخفاء؟!.. بل يقوم الكثير من الشباب بعمل حسابات وهمية لاستخدامها في أغراض غير مشروعة.. وصولًا لتهكير بعض الحسابات الأخرى لأغراض السرقة أو الابتزاز المادي أو العاطفي.
لقد كان الإنسان يسعى قديمًا ويكد ويجتهد من أجل الحصول على بعض الترفيه في نهاية الأسبوع.. الآن تجد الشباب – خاصةً- يحصون على التسلية والمُتعة بلا عمل.. إن المكافئة تُمنح في عالم الإنترنت بلا جهد.
وعلى جانب آخر، لقد أظهرت تلك الأجهزة الصغيرة أسوأ ما في البشر؛ فلم يظهر المعدن الحقيقي للإنسان إلا بعد وجود تلك الأجهزة الصغيرة المُتصلة بالإنترنت، فمن سيتركه بعضَ ساعة ويصل رحِمه!!.. ومن سيتركه ويصلي ليلًا لله!!.. ومن سيتركه ليتحدث مازحًا أو مُعلمًا لأبنائه!!..إنَّه اختبار بحق لكل من ادعى الفضيلة!!
والآن، إليك الاختبار الحقيقي لتكتشف نفسك.. حاول الاستغناء عن هاتفك المتصل بالإنترنت لمدة بضع أيام، أو لمجرد آداء عملك فقط إذا كان مُتعلقَا بوسيلة من وسائل التواصل.. إذا لم تستطع؛ فاعلم يقينًا أنك أصبحت.. “عبدًا للآلة”.