هاني الجمل يكتب: دلالات سقوط الإسلاميين في الانتخابات المغربية
كيف يمكن قراءة نتائج الانتخابات المغربية الأخيرة، ومغزى السقوط المدوي لحزب “العدالة والتنمية” الذي يتبنى توجهاً إسلامياً، وأسباب هذا السقوط وتداعياته، وماهي التحديات التي ستواجه الحكومة الجديدة برئاسة عزيز أخنوش رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار الفائز في هذه الانتخابات؟
بداية نوجه التهنئة للشعب المغرب الشقيق على مشاركته الفاعلة في الانتخابات التشريعية والبلدية، الثالثة من نوعها في عهد الدستور المغربي الجديد، وهي الانتخابات التي تجاوزت نسبة المشاركة فيها 50%، ووصفتها العديد من الدوائر السياسية المغربية بـ”التاريخية”.
ولا يمكن فصل السقوط الكبير لحزب العدالة والتنمية الذي يشارك في السلطة منذ عام 2011، عن الأخطاء الكثيرة التي ارتكبها داخلياً ، فالحزب الذي جاء ترتيبه ثامناً بين الأحزاب المغربية حصل على 12 مقعداً فقط في مجلس النواب المغربي، فيما تصدر حزب “التجمع الوطني للأحرار” بعد حصوله على 97 مقعداً، وحل حزب “الأصالة والمعاصرة” ثانياً بـ82 مقعداً، ثم حزب “الاستقلال” ثالثاً بـ78 مقعداً، و”الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية” رابعاً بـ36 مقعداً، وحزب “الحركة الشعبية” خامساً بـ26 مقعداً، وحزب “التقدم والاشتراكية” سادساً بـ20 مقعداً، و”الاتحاد الدستوري” سابعاً بـ18 مقعداً، بينما حصلت الأحزاب الأخرى على 12 مقعداً.
ونعود للسؤال الأهم وهو: ما هي دلالات هذا السقوط المخزي لحزب “العدالة والتنمية”، الذي خسر ما يقرب من 90% من مقاعده في مجلس النواب المغربي، وما هي أسبابه ؟ .
يرجع بعض المراقبين هذا السقوط إلى حالة السخط الكبيرة التي سادت الأوساط المغربية المختلفة من سياسات الحزب على مدار السنوات العشر الماضية التي قضاها في رئاسة الحكومة، خاصة عندما أقدم على تبني بعض الإجراءات الاقتصادية والاجتماعية المرهقة مثل رفع الدعم عن المحروقات، ورفع سن التقاعد، والاعتماد على نظام التعاقد مع المعلمين.
أمّا السبب الثاني لهذا السقوط المروع فيعود إلى قضايا الفساد التي لاحقت قادة حزب “العدالة والتنمية”، وهو ما تجسد في تقلد العديد منهم لمناصب رفيعة في الدولة مثل صلاح الدين مزاور وزير الخارجية في حكومة عبد الإله بنكيران الثانية.
ويضاف إلى كل ذلك تصاعد حركة الانشقاقات والانقسامات في الحزب الإسلامي منذ إعلان المغرب إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل في 22 ديسمبر 2020، ومباركة الحزب لهذه الخطوة وتأييده لها، وذلك على الرغم من أن أحد ثوابته المُعلنة هو رفض إقامة أي علاقات دبلوماسية وسياسية معها.
ولا يمكن لعين المراقب أن تغض الطرف عن الوضع الإقليمي وتراجع ما يعرف بحركات الإسلام السياسي سواءً على المستوى المغاربي، أو على المستوى العربي بشكل عام، وهو السياق الذي تشهد هذه التيارات في ظله تراجعاً وفشلاً ذريعاً. فإخفاق حزب “العدالة والتنمية” يأتي متزامناً مع فشل آخر مشابه لحركة “النهضة” الإسلامية التونسية، وهو الفشل الذي ارتبط بتبني الحركة لسياسات أدخلت تونس في دوامة من الصراعات والأزمات الاقتصادية الخانقة، مما دفع الرئيس قيس سعيّد إلى التحرك وتبني ما عُرف بـ”قرارات 25 يوليو الماضي .
وفي السياق ذاته يعاني الإسلاميون في الجزائر من واقع مأزوم، وذلك بعد خسارتهم للانتخابات التشريعية الأخيرة، ووجود إشارات إلى تبنيهم لأعمال عنف، واتهامهم بالانخراط في أعمال أضرت بالدولة. كما يتسم المشهد العربي بشكل عام بتراجع كبير لتيارات الإسلام السياسي، خصوصاً في الدول التي انخرط فيها الإسلاميون بشكل كبير في المشهد العام منذ ما عُرف بـ”الربيع العربي”، وهو ما يتجسد في حالات ليبيا، واليمن، وسوريا، وقبلها هنا في مصر.
ومع تكليف العاهل المغربي الملك محمد السادس، عزيز أخنوش، رئيس حزب “التجمع الوطني للأحرار” المغربي، بتشكيل حكومة جديدة، تبرز على السطح تحديات كبيرة ستواجه هذه الحكومة في مقدمتها كيفية الخروج من خندق أزمة “كورونا” وتحقيق النمو المنشود، إلى جانب مواجهة مشاكل تتعلق بالصحة والتعليم ، بالإضافة إلى تضميد جراح الاقتصاد، ومواجهة ملف فرص العمل ، بعد أن بلغ معدل البطالة 12.8 في المئة حسب آخر البيانات الرسمية.
خلاصة القول.. تجسد التجربة المغربية لإسقاط الإسلاميين حالة الرفض العربي لهذه التيارات التي تستغل بعض الأزمات التي تعاني منها المجتمعات العربية، للوصول إلى الحكم، لكن فور تحقيق هدفها، يتضح عدم امتلاكها لأي أدوات وبرامج واقعية للتعاطي مع أزمات المجتمعات العربية، وهو الأمر الذي يترتب عليه حدوث فشل كبير في آليات إدارتها للمشهد السياسي، بما يعزز من حالة الرفض الشعبي لها، ويدفع بعض تياراتها لخيار “العنف” للحفاظ على ما حققته من مكتسبات سياسية في سياقات معينة.