د. ناجح إبراهيم يكتب: محمود العربي.. وداعًا
كان يردد: الفقير شريكى وله حق معلوم علينا، هدفى أن أفتح أكبر عدد من البيوت، حقوق الدولة مقدمة على حق الشركة، لا أحد يعمل عندنا، بل يعمل معنا ونعمل معه، سخَّرَنا الله لهم وسخرهم الله لنا، الشركة التى لا يشعر عمالها بالولاء فهى مجرد عرض زائل وبناء لا أساس له، الناس لها حقوق عندى، أنا أحب الناس، ليس المهم الفلوس ولكن المهم تشغيل الناس ومنحهم فرصة كريمة للحياة.
عَيّن فى إحدى المرات ألف عامل فى مصانعه، فقال له مستشاروه: نحن لا نحتاج إلى كل هذا العدد، فقال: فتحت باب الرزق لألف بيت، وأثق أن الله لن يغلق بيتاً واحداً هو منزلى. لا بد للموظف أن يأتى للعمل سعيداً ويعود إلى منزله سعيداً، الشركة التى «ناسها بتحب بعض ربنا بيكون معاهم، أما الشركة التى فيها زعل وخيانة يحضر فيها الشيطان»، لما سُئل عن نجاحه قال «ليست شطارة، ربنا هو اللى عمل كده»، «الأموال تكون فى اليد وليس فى القلب، فإذا دخلت القلب أصبحنا عبيداً لها».
كان يفتخر بأنه من أسرة فقيرة لم تكن تمتلك شبراً من الأرض، كان له شركاء فى بداية حياته، فمرض أحدهم وامتنع عن العمل، فأصر باقى الشركاء على طرده، وأصر هو أن يكون له نصيب وهو مريض، وفض الشركة معهم من أجله، فإذا بشركته تربح وتشترى محلات الآخرين وجعل لأولاد الشريك المريض نصيبه بعد موته. كان لا يحب لفظ رجل أعمال، ويحب لفظ تاجر، ويقول هى مهنة الأنبياء، ومهنة النبى الكريم، كان يؤمن بعتبة الخير، ولذلك احتفظ بأول محل بدأ به تجارته فى الموسكى.
اقرأ أيضاد. ناجح إبراهيم يكتب: ذكرى 11 سبتمبر.. هل تعلمنا الدرس؟
كان الخط الصناعى عنده يسير مع الخط الخيرى بالتوازى، لم يرد أى عامل يريد العمل عنده، لم يقطع مرتبات أى موظف لديه وقت محنة الكورونا رغم جلوسهم فى بيتهم. كان كل يوم ينظر إلى محل البرنسيس «له خمسة أبواب» ويدعو «يا رب مائة ألف جنيه ومحل البرنسيس»، فكان مديره يقول: اطلب شيئاً معقولاً، فيرد عليه: «خزائن الله ملأى»، زاروه بعدها فى محل به خمسة أبواب، فقالوا له: «دعوتها ونُلتها»، وكان يمنح جائزة لكل من يحفظ جزءاً من القرآن فى قريته وكل القرى المجاورة، لم يدع يتيماً فى كل المحافظات حول شركته إلا ورعاه وكفاه وآواه، لم يترك مستشفى يحتاج إلى أجهزة تكييف إلا ومنحه دون مقابل، وكان فى كل مرة يشكر الأطباء الذين جاءوا يطلبون ذلك، لأنهم دلوه على الخير، فيُعجب الأطباء لذلك.
توسع فى منظومة الخير حتى أقام واحدة من أهم مؤسسات الخير فى مصر «مؤسسة العربى الخيرية». كان يفتخر بوالده المزارع بالأجر، الذى تعلم منه حكمته «قل الحق وماتخافش إلا من الذى خلقك»، وتعلم من والدته الفلاحة الريفية الإيمان والحكمة الفطرية مع الصبر والقناعة. بدأ شركته بعامل واحد، والآن وصل عدد الموظفين والعمال فى شركته إلى قرابة 40 ألف عامل، وتصدر منتجات شركته إلى 60 دولة، بدأ حياته بـ40 قرشاً، وانتهى بشركة رأسمالها عدة مليارات من المال الحلال المدفوع زكواته وضرائبه وصدقاته.
وصفه السيسى بـ«الرجل العظيم»، ونعاه شيخ الأزهر قائلاً «كان محباً لوطنه، مسارعاً فى الخير». سلام على صانعى المعروف، وباذلى الخير، والرحماء، فإنهم سند الضعيف ومأوى المحتاج وغوث الملهوف، سلام على شهبندر التجار، رجل الخير المرحوم «محمود العربى» فى العالمين.