سماح عطية تكتب: المواصفات القياسية للتشرد
عجباً لمجتمع استيقظ فجأة من سبات عميق.. وغيبوبة.. وموت إكلينيكي للضمير الإنساني.. ومحاولة لعودة رحمة القلوب للعمل من جديد.. ونظرات الشفقة التي تشبه عودة البصر للأعمي..
عجباً لمجتمع أصبح يسمع بعد أن كان أصم، فجأة وبدون مقدمات فور لفت انتباهه صور وفيديوهات “ريهام”، مشردة الغردقة كما يطلقون عليها.
وفور ظهور الفيديوهات والصور والاتصالات بالأهل وعمل لقاءات مصورة معهم ومع ريهام الطالبة في كلية التجارة والتى لها أهل وأسرة.
عفواً أيها المجتمع، ريهام ليست مشردة، فهي لاينطبق عليها المواصفات القياسية للتشرد والمشردين.
المشرد هو ذلك المولود، أو قطعة اللحم الحمراء التي تصادفها البشر أو الكلاب والحيوانات الضالة فى صندوق القمامة، وليد يصرخ ويبكي ويستغيث بلا لغة… ليس له أب أو أم أو عنوان ولا حتى ديانة أو اسم.
المشرد هو ذلك المولود الذي عثروا عليه يصرخ بعد أن نهشت الحشرات والنمل أجزاء من جسده في الشارع إلى أن أنقذ المارة ما تبقى منه ليعيش باقي عمره مشرداً ومعوقاً.
المشرد من يجلس على الأرصفة وتحت الكباري وداخل الأنفاق يعاني ألوان العذاب والجوع والعطش وحرارة الشمس الحارقة وبرد الشتاء القارص وليس “تريند ريهام”.
المشردة هي تلك البنت التي لم تعرف معنى البلوغ بعد، ولكنها عرفت نكاح الحيوانات الذي تتعرض له في الشارع مع نزول عتمة الليل.
المشرد هو ذلك الولد الذي يفقد رمز رجولته، نتيجة مخالطة بعض الشواذ، ممن لهم خبرة وباع في العالم السري لظلام ليل الشوارع.
المشرد هو من لفظه أهله والتقطه أحد الخارجين عن القانون والمتطرفين…
المشرد هو من يأكل من صناديق القمامة كل أنواع العفن وبقايا الموائد التى اختطلت بالقاذورات، ليخرس عن معدته صراخ الجوع.
المشرد هو من يعاني من أمراض الشارع وآلام النوم على الأرصفة، وتكون نهايته – غالبا – إما الموت مرضا و قتلا على يد أحد أفراد عالمه الإجرامي.
المشرد هو من يهدر دمه عصابات تجارة الأعضاء البشرية، فهو متاح.. مباح، بعيداً عن الأعين والمساءلة القانونية.
المشرد هو من سقط من سجلات الوفيات رغم موته.. تلقى جثته حتفها في الشارع الذي وجدت فيه بعد ولادته.. ولم لا؟ فقد سقط مسبقاً من سجلات المواليد.
أيها المجتمع “الطيوب” المتعاطف مع ريهام.. تعاطَف مع باقى المشردين في الشوارع والطرقات مصر، فهم حقاً المطابقون لمواصفات البؤس وخيبة الأمل.. مطابقون للمواصفات القياسية للجوع والألم والحسرة والمرض والتعب.. مطابقون للمواصفات القياسية للتشرد!