رشا ضاحى تكتب: رحلة ( ١٥) الغفور
نستكمل رحلتنا مع أسماء الله الحسنى ونتحدث اليوم عن اسم الغفور:
إن اسم الغفور من أقرب أسماء الله الحسنى إلى المؤمن، لأن من طبيعة الإنسان الوقوع في الخطأ والذنب, كما في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: { كل بني آدم خطاء, وخير الخطّائين التوابون }.
والله عز وجل غفور رحيم يحب التوابين ويحب المتطهرين
وقد ورد اسم الغفور في القرآن بعدة صيغ منها : غافر كما في قوله تعالى : ﴿غافِرِ الذَّنبِ وَقابِلِ التَّوبِ شَديدِ العِقابِ ذِي الطَّولِ لا إِلهَ إِلّا هُوَ إِلَيهِ المَصيرُ﴾(غافر: ٣)
وقد ذُكر في القرآن الكريم مرة واحدة.
وصيغة الغفور كما في قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَرَبُّكَ الغَفورُ ذُو الرَّحمَةِ لَو يُؤاخِذُهُم بِما كَسَبوا لَعَجَّلَ لَهُمُ العَذابَ بَل لَهُم مَوعِدٌ لَن يَجِدوا مِن دونِهِ مَوئِلًا﴾ (الكهف: ٥٨)
وقد ذُكر في القرآن الكريم ٩١ مرة
وأخيرا صيغة غفار كما في قوله تعالى : ﴿وَإِنّي لَغَفّارٌ لِمَن تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحًا ثُمَّ اهتَدى﴾ (طه: ٨٢)، وقد ذُكر في القرآن الكريم خمس مرات.
واسم الغفور مشتق من الفعل غفر بمعنى ستر الشيء
والغفور سبحانه وتعالى، هو الذي يستر الذنوب المتجاوز عن الخطايا والعيوب بفضله، مهما كان مقدارها ومهما تعاظمت النفس وتمادت في جرمها وعصيانها فهو سبحانه يغفر الكبائر والصغائر جميعها.
ومن الأسماء الحسنى القريبة من الغفور اسم العفو
قال أبو حامد الغزالي رحمه الله :
” الْعَفو : هُوَ الَّذِي يمحو السَّيِّئَات، ويتجاوز عَن الْمعاصِي، وَهُوَ قريب من الغفور، وَلكنه أبلغ مِنْهُ، فَإِن الغفران يُنبئ عَن السّتْر، وَالْعَفو يُنبئ عَن المحو، والمحو أبلغ من السّتْر” .
فالعفو في حق الله عز وجل عبارة عن إزالة آثار الذنوب بالكلية، فيمحوها من ديوان الكرام الكاتبين، ولا يطالبه بها يوم القيامة، وينسيها من قلوبهم، كي لا يخجلوا عند تذكرها، ويثبت مكان كل سيئة حسنة.
واسم الغفور تم ذكره في القرآن الكريم مقترنا باسم الرحيم في أكثر من ستين آية، فمن رحمة الله مغفرته لذنوب عباده وإن كثرت وإن عظمت، وقد تقدم اسم الغفور على اسم الرحيم وفي ذلك قال
ابن القيم :
وأما تقديم الغفور على الرحيم فهو أولى بالطبع لأن المغفرة سلامة والرحمة غنيمة والسلامة تُطُلِّب قبل الغنيمة
ومن آيات الرجاء والأمل في مغفرة الله سبحانه وتعالى
هذه الآية الكريمة: ﴿قُل يا عِبادِيَ الَّذينَ أَسرَفوا عَلى أَنفُسِهِم لا تَقنَطوا مِن رَحمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغفِرُ الذُّنوبَ جَميعًا إِنَّهُ هُوَ الغَفورُ الرَّحيمُ﴾ (الزمر: ٥٣)
مع عظم الذنب يناديهم بألطف نداء (يا عبادي)، ويزيل ما في قلوبهم من يأس ، ويعدهم بأعظم عفو، وهذه الآية تبشرك أيها الإنسان أن تاريخك المظلم بالمعاصي يمحوه حاضرك المشرق بالطاعات، فلا تقطع رجاءك بالله مهما اشتدت المكاره أو توالت الكروب ، فاليأس زيادة في الشقاء وبلاء فوق البلاء.
إنها آية الرجاء التي تنهى عن القنوط من رحمة الله تعالى، وإنْ عَظُمَت الذنوب وكثرت، فلا يَحِل لأحد أن يقنط من رحمة الله وإن عَظُمَت ذنوبه، ولا أن يجعل الناس تيأس من رحمة الله وغفرانه.
وحتى نلتقي دمتم في رعاية الله.