أمل محمد أمين تكتب: قتل بارد

 

أيام ويبدأ العام الدراسي الجديد وعلى الرغم من الزحام في الطرقات الذي تسببه عودة أطفالنا وأبنائنا الطلاب إلى المدارس والجامعات، إلا أن إطلالتهم الجميلة والبهية بالزي المدرسي تثير الإحساس بالبهجة والسعادة وتعطي انطباعًا بعودة الحياة إلى هذا الجسد الخامل.

لكن خلف هذه اللوحة الجميلة تختفي معاناة مؤلمة وقاسية يعيشها هؤلاء الأطفال والشباب نتيجة ما يتعرضون له يوميًا من إيذاء جسدي ولفظي سواء من أقرانهم أو معلميهم أحيانًا، معاناة قد تصل بالطفل إلى الإنتحار.

والتنمر ظاهرة يعاني منها الجميع كبارًا وصغارًا لكن انعكاسها على الطفل والمراهق يصبح مدمرًا ويترك ندوبًا قد تستمر معه للأبد فيصبح الطفل انطوائيًا وخجولا، لا يستطيع مواجهة الآخرين ويتذكر المواقف التي تم التنمر فيها وهو طفل كلما تحدث في جمع أو شارك في لعبة أو نشاط اجتماعي مما يجعله ينسحب ويفضل العزلة.

وعلى الأبوين يقع العبء الأكبر في متابعة الطفل ومراقبة تصرفاته فأحيانًا يكون التنمر سببًا قويا في نفور الطفل من المدرسة وعدم رغبته في الذهاب إليها، ويصاحب هذا نوبات بكاء هستيرية وامتناع عن الأكل وذلك في المراحل العمرية الأولى، أما في سن 13 و14 فيحدث تأخر في إنجاز المهام والواجبات وخاصة في المواد التي تطلب تفكيرا وتطبيقا مثل الرياضيات والعلوم لأن المراهق الذي يتعرض للتنمر يشعر بالخجل من المشاركة وطرح الأسئلة والخوف من رأي أصدقائه ويصاحب هذا الخوف تشتت في الانتباه.

وقد شهدت المجتمعات بعض حالات الانتحار في صفوف الأطفال والمراهقين نتيجة تنمر من حولهم، وأحيانا يدفعهم هذا لتعاطي المخدرات أو التورط مع العصابات بحثا عن الاحتضان وتقبل المجموعة، وهذا التأثير السلبي لا يقتصر على من يقع عليه التنمر بل يشمل من يشاهد ويسمع هذا العنف الجسدي واللفظي؛ فوفقًا لدراسة من جامعة مونتريال الكندية أُجريت على 4000 طالب، فإن الأطفال الذين يشاهدون أعمال العنف والتنمر في المدرسة هم الأكثر عرضة للإصابة بمشكلات نفسية، حيث وجد الباحثون أن الطلاب في سن الثالثة عشر عندما رأوا أمام أعينهم مثل هذه المشاهد السلبية، صاروا أكثر عرضة للإصابة بمشكلات نفسية عند بلوغهم سن الخامسة عشر، كما لو كانوا تعرضوا شخصيًا للتنمر والعنف على يد الآخرين، بحسب موقع “Medical X Press”.

وخلصت النتائج إلى أن الأطفال الذين يشاهدون أعمال العنف يصابون ببعض المشكلات الاجتماعية والنفسية مثل القلق الاجتماعي والاكتئاب والاضطراب العاطفي وتعاطي المخدرات.

وفرقت الأبحاث بين تأثير التعرض لأنواع مختلفة من العنف، فمشاهدة أعمال العنف الجسدية الشديدة أو التهديد بالسلاح أو السرقة أو التخريب، ينتهي بتعاطي هؤلاء المراهقين للمخدرات غالبا، أما مشاهدة أعمال العنف الطفيفة مثل التهديدات والشتائم، فيصيب الطفل باضطرابات القلق والاكتئاب وتراجع مشاركته بالمدرسة.

تبدو الصورة قاتمة مع اتساع رقعة التنمر وصعوبة السيطرة على كل من يمارسه سواء كان طفل أم بالغ فالبعض يتلذذ بتعذيب الآخرين والتقليل منهم وإذلالهم، ولمعرفة كيفية معالجة هذا سألت أكثر من مستشار نفسي وخبير تربوي وكانت معظم الحلول بيد المدرسة والأبوين.

فعلى المدرسة تغيير ترتيب الأطفال في الفصول منعا لإنشاء تكتلات أو عصابات، وأن تزيد من حصص الموسيقى والرسم والألعاب الرياضية، والأنشطة الترفيهية مثل الرحلات كمحاولة لتخفيف الضغوط النفسية على الطلاب الذين يكونون عرضة للتنمر ولكي تصبح أمامهم فرصة أكبر لتكوين صداقات من صفوف وفصول أخرى.

أما الأبوين فعليهما الابتعاد عن الكلمات السلبية وترك مساحة للطفل للتعبير عن مشاعره، إلى جانب تحفيز الطفل على مواجهة المشكلة بطريقة إيجابية وقد يسمح الأبوين للطفل بعدم الذهاب إلى المدرسة إذا كان الوضع سيئًا، وإذا احتاج الأمر فعليهما اللجوء إلى استشاري نفسي لإيجاد حل للمشكلة وتحديد الأساليب العلاجية المناسبة.

وربما كان أفضل طريقة للحد من التنمر ما فعلته بعض الدول ومنها مصر بوضع قانون لمعاقبة المتنمرين في عقوبات تصل إلى الحبس ستة أشهر وغرامة قد تصل إلى 30 ألف جنيه، وليست مصر فقط من تعاقب المتنمرين بل هناك عشرات الدول منها السعودية والإمارات وأمريكا وفنلندا واليابان وإنجلترا والسويد وكندا وغيرها قامت  بسن قوانين للحد من التنمر وبخاصة الإلكتروني الأكثر انتشارًا.

خلاصة القول إن التنمر قتل بارد للبشر فكم من إنسان يعيش مواقف تترك أثرًا لا يستطيع تخطيه فيعيش حيًا لكن روحه ميتة، خائف من تعليقات أحدهم على شكله أو حالته الجسدية أو لونه أو ديانته أو جنسه أو إنتمائه، فيفضل المعتدى عليه العزلة على المواجهة، أو يصب غضبه على غيره في دائرة مغلقة تتحول فيها الضحية إلى مذنب.

والمؤسف أن التنمر أصبح جزء من حياتنا اليومية يمارسه البعض أحيانًا على سبيل المزاح فيؤذون الآخرين دون قصد.. لكن ليتنا نتذكر قول الله سبحانه و تعالى في سورة الحجرات “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ”.

زر الذهاب إلى الأعلى