رشا ضاحي تكتب: رحلة (١٦) الحليم

تتواصل رحلتنا مع أسماء الله الحسنى ونتحدث اليوم عن اسم من أسماء الجمال لله جل وعلا
وهو اسم الحليم وهو من الأسماء العظيمة التي تعكس محبّته سبحانه وتعالى لعباده ورحمته بهم
حينما يزلّون ويخطئون
ورد هذا الاسم في القرآن الكريم إحدى عشرة مرة، ومن ذلك قوله تعالى:
﴿قَولٌ مَعروفٌ وَمَغفِرَةٌ خَيرٌ مِن صَدَقَةٍ يَتبَعُها أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَليمٌ﴾
(البقرة: ٢٦٣)
و ورد في السنة مرة واحدة
قال صلى الله عليه وسلم:
(إن الله عز وجل حليم، حيي ستير يحب الحياء والستر فإذا اغتسل أحدكم فليستتر)
ومعنى الاسم في اللغة:
قال الراغب الأصفهاني: “الحِلْمُ ضبط النفس والطبعِ عن شدة الغضب”.
أما المعنى في حق الله عز وجل فالحليمُ أي الذي لا يعجل على عباده عقوباتهم بذنوبهم حليمًا عمن أشرك وكفر به من خلقه فيترك تعذيبه أو تعجيل عذابه له
لعله يتوب إليه ويرجع .قال ابن القيم
وَهُوَ الحليمُ فَلاَ يُعاجِلُ عَبْدهُ
بعُقُوبَةٍ لِيَتُوبَ منْ عِصْيَانِ

اقرأ أيضًا.. رشا ضاحى تكتب: رحلة ( ١٥) الغفور

يقول الغزالي رحمه الله في معنى هذا الاسم الكريم: “الحليم هو الذي يُشاهد معصية العصاة ويرى مُخالفة الأمر ولايستفزُه غضب ولا يعتريه غيظ ولايحمله على المُسارعة على الانتقام مع غاية الاقتدار ،
ألا ترى قول الله تعالى: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} (النحل ٦١)
لكن الله سبحانه حليم فلو كان غير هذا لعجَّل بعقوبته على العصاة والمذنبين
والحلمُ قرين الحكمة، فلا يكون الحليمُ إلا حكيمًا يضع الأمور في مواضعها.
وهو قرين العلم، فلا يكون حلم (الحليم) عن جهلٍ بأحوال عباده حاشاه (والله يعلم ما في قلوبكم وكان الله عليما حليما) (الأحزاب:٥١)
والفرقُ بين الحِلمُ وكظم الغيظ أن الحلم أفضل من كظم الغيظ لأن كظمُ الغيظ عبارة عن تكلف الحلم ولا يحتاج في الحلم إلى مثل ذلك، ففي كظم الغيظ تكلُّف
أما الحلم فهو طبيعة وخُلُقُ .
ومن اجمل ما قيل في الحلم :
قال معاوية: لَا يَبْلُغُ الرَّجُلُ مَبْلَغَ الرَّأْيِ حَتَّى يَغْلِبَ حِلْمُهُ جَهِلَهُ وَصَبْرُهُ شَهْوَتَهُ، وَلَا يَبْلُغُ ذَلِكَ إِلَّا بِقُوَّةِ الْحِلْمِ.
و قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: أَوَّلُ عِوَضِ الْحَلِيمِ مِنْ حِلْمِهِ أَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ أَعْوَانُهُ عَلَى الْجَاهِلِ.
إن هذا الاسم يدل العبد على حقيقة مهمة، وهي أن الله تعالى عندما يؤخّر العذاب عن الطغاة والعصاة، فإن ذلك ليس عن عجزٍ أو ضعف، إنما هو بسبب حِلم الله تعالى وإمهاله، وإنما كان ذلك الإمهال ليبلو صبر الصابر، وليملي في الإمهال للظالم، فيثبت هذا على صبره، ويجزي هذا بقبيح فعله
وبالتالي فإن حِلْم الله تعالى يستوجب محبته، لأن الحليم محبوب، فكيف بمن اتصف بكمال الحِلْم وتمامه وهو الله سبحانه وتعالى.
ومن تمام التعبد باسم الحليم التخلق بصفة الحِلم، فإن خُلُق الحِلم وترك الغضب دليل على العقل وضبط النفس، وهذا الخُلُق يحبه الله تعالى، ورسوله صلى الله عليه وسلم
فقد قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم للصحابي أَشَجِّ عبْدِ الْقَيْس:
(إِنَّ فيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ: الحِلْم، وَالأَنَاة)
والحلم هو دليل على كمال العقل وسعة الصدر وامتلاك النفس
قال أبو حاتم: (الواجب على العاقل، إذا غضب واحتدَّ، أن يذكر كثرة حلم الله عنه، مع تواتر انتهاكه محارمه، وتعدِّيه حرماته، ثمَّ يَحْلُم، ولا يخرجه غيظه إلى الدُّخول في أسباب المعاصي)
وتذكر دائمًا أن الله سُبحانه وتعالى يُعامل الحليم بالحلم فكلما ازددت حلمًا ازداد حلم الله بك وكلنا يحتاج لمثل ذلك فكلنا أصحاب ذنوب ومعاصي نرجو عفو الله ورحمته
حتى نلتقي دمتم في رعاية الله وأمنه

زر الذهاب إلى الأعلى