رسالة من “مُنتحر”.. هل سأخلُد بالنار أم سأدخل الجنة ؟!
كتبت: أسماء خليل
لا شك أن الله – سبحانه وتعالى – حينما نفخ في آدم من روحه وبعثه إلى الأرض، أرسل معه قواعدًا وقيمًا باتت راسخة بالديانات السماوية – فيما بعد- واستطاع العلماء من خلالها استنباط الأحكام الفقهية والشرعية..
ونحن أمام ظاهرة استشرت بالآونة الأخيرة حيرت العالم؛ إذ هي لا تفرق بين عرق أو لون أو جنسية أو ديانة، ألا وهي “الانتحار”.. ويتردد السؤال الاستنكاري ذو الرد المُحير عقب كل جريمة انتحار.. هل المُنتحر سيُخلد بالنار؟!.. أم ربما سيعفو عنه الله – سبحانه وتعالى – فيدخل الجنة؟!..
إن الله يعاقب الجاني حين يقتل المجني عليه .. فإذا كان المنتحر هو المجني عليه.. فمن الجاني؟!..
ربما كان الجاني هو الشخص المنتحر نفسه، أو المجتمع الذي أزَّهُ على تدمير نفسه، أو الأسرة التي أعطته حبلًا من التضييق واللافهم وعدم الاحتواء فشنق به نفسه..إذن من الجاني حتى يُمكننا استنباط الحكم الفقهي!!!..
رأى الشيخ “الشعراوي”
وفي ذلك الصدد تم سؤال الشيخ “الشعراوي” – رحمة الله عليه – عن مآل المنتحر؛ فيري الشيخ أنَّ المُسلم له حرية التصرف فيما يملك بما لا يُخالف الدين؛ ولكن جسد الإنسان لا يملُكه إذ هو ملك لله، وحتى الروح هي ملك لله ولا يأخذ الحياة إلا واهبها، وعليه فيقول الشعراوي أنَّ المنتحر سيدخل النار لأنه بدد جسدًا ليس ملكا له.
رأى “الأزهر”
لم يختلف الأزهر باعتباره المؤسسة الدينية الأم بالوطن العربي، عن الرأي المؤكد بحُرمة قتل وإزهاق النفس عن طريق الشخص نفسه، فيرى علماء الأزهر الشريف أن “الانتحار يأس وهلع وقنوط من رحمة الله؛ وذلك استنباطًا من الآية الكريمة “إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ”.. من سورة يوسف الآية ٨٧.
وكذلك يرى الشيخ “عبد الحميد الأطرش”، رئيس لجنة الفتوى السابق بمشيخة الأزهر الشريف أنه لابد لذلك المُنتحر قبل إقدامه على تلك الخطوة المصيرية المُدمِرة، أن يرضى بما قسمه الله له حينما تتكالب عليه ابتلاءات الدنيا، وأن يلتجأ لله ليزيح عنه ما أهمَّه؛ فعن شداد بن أوس -رضي الله عنه- قال: (فإني سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يقولُ: إنَّ اللهَ تعالى يقولُ: إنِّي إذا ابتليتُ عبدًا من عبادي مؤمنًا، فحمدني على ما ابْتَلَيْتُه، فإنه يقومُ من مَضجعِه ذلك كيوم ولدتْهُ أمُّه من الخطايا، ويقولُ الربُّ عزَّ وجلَّ: أنا قيَّدتُ عبدي، وابتليتُه، فأجروا له كما كنتم تجرون له وهو صحيحٌ).
قولان على الراجح
هناك من العلماء من يرى أن قاتل نفسه خالدًا مُخلدًا بالنار، لا يخرج منها أبدًا مثله مثل المُشركين الناكرين لوجود الله..
وهناك من يُفسر كلمة خالدًا على محمل آخر؛ حيث يرى هذا الفريق، هذا الخلود خلودًا مؤقتا ليس كخلود الكفار، ويُرجعون تفسيرهم ذلك إلي أن خالدًا مخلدًا فيها، يعني إلى النهاية التي حددها الله، على النقيض من الكفار الذين لا يخرجون من النار أبدًا.
جُرم “قتل النفس”
إذا أعملنا المنطق واخذنا تلك الآية الكريمة وجهةً لاستنباط بعض حكمٍ فقهي، إذا يقول الله تعالى في محكم الآية ٦١ من سورة النور “ لَّيْسَ عَلَى الْأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ”، فنجد أنه باستطاعتنا استثناء المريض النفسي كالجنون مثلًا، إذ أن كل شيء يُقدر بقدره، أمَّا مُجرد سوء أو اعتلال الحالة المزاجية فليس مُبررًا أبدًا لقتل المرء نفسه.
وفي الأخير
– صلى الله عليه وسلم –“ من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيها خالدا مخلدا فيها ابدا، ومن تحسى سما فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها ابدا، ومن قتل نفسه بحديده فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها ابدا”. صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.