عن واقع العرب المشوه| “الموريتاني” قصة الإرهاب المجهول

كتبت: أسماء خليل


إذا كنت متواجدًا بأمريكا أثناء أحداث إرهاب ١١ سبتمبر سواءًا أكنت عاملًا أو طالب علمٍ أو حتى عابر سبيل؛ فليس هناك بأس بألَّا تكون حاملًا بطاقة تعبر بها عن هويتك الشخصية، فقط عليك أن تملأ خانة الديانة “مسلم” وتباعًا سيتم ملأ باقي الخانات.. خانة الجنسية “إرهابي”.. خانة محل الإقامة “سجون جوانتانامو الفاخرة” وكم ستجد هناك من أقارب!.. وحينها ستعلم جيدًا ما هو دين الإرهاب.

يهمك.. نرجسية رجل أم منهج حياة ؟!
إنها موروثات ومكتسبات فكرية خاطئة راسخة في عقول الغرب نتاج تحليلهم المغلوط لأسباب غزوات وفتوحات الرسول – صلى الله عليه وسلم – إذ أنهم لو أعملوا عقولهم بمزيدٍ من الحكمة والرحمة لوجدوا أن تلك الغزوات كان هدفها محاربة الكافر الحامل لسلاح وليس الكافر الذمِّي الذي نعطيه موثقًا بدخول بلادنا بتأشيرة سفر ولا أحد يعتدي عليه، لقد كانت تلك الغزوات من أجل الدفاع عن أعراض المسلمين وحياتهم ورفع الظلم عنهم.
“الموريتاني”
ويأتى فيلم “الموريتاني” الذى أخرجه المخرج العبقري الأسكتلندي ” كيفن ماكدونالد” ليس مجرد إضافة لعشرات الأفلام الروائية التى نال مخرجها جائزة الأوسكار، ولكنه يمثل علامة فارقة في تاريخ العرب، كونه فيلما ليس نمطيا، ولكن يظهر الحقيقة كما ينبغي أن تكون.
وقد استقى كاتب سيناريو وحوار الفيلم كل معلوماته من يوميات رجل موريتانى الجنسية، مسلم الديانة، يدعى محمد بن صالح، كان أحد ضحايا التاسع من سبتمبر، ليس ضحية الأبراج الأمريكية التى انهارت، ولكن ضحية الأبرياء الذين دفعوا الثمن غاليا فى “جوانتانامو”.
وعلى الرغم من شطب الاستخبارات الأمريكية لأبرز الحقائق إلا أن ما تبقى منها كان كافيا لكشف العمليات الوحشية اللا إنسانية التى مورست بحق المتهمين فى معتقل “جوانتانامو” الرهيب، من الإيهام بالغرق والحرمان من النوم، والسجن في مكان شديد البرودة، والاعتداءات والتحرشات الجنسية، وقد عاد مخرج الفيلم “كيفن” بشخصية ولد صالح إلى الطفولة مُتبحرًا في ذكرياته التي تبين أنه إنسانًا عاديًا له قلب نابض.
علامة فارقة
إن صورة الإرهاب والإرهابيين كانت ولا تزال علامة فارقة في تاريخ السينما الأمريكية والضحية هم العرب المسلمين؛ فدائمًا يتم تصويرهم على أنهم ومضات جثث لأناس لا أحد يعرفهم، دُمى لا عقول ولا قلوب لها ولا تستحق التعاطف، أليس هذا هو الإرهاب الحقيقي المعروف الهوية ؟! أنهم يجردونهم من إنسانيتهم .
لا أفلام عن جوانتانامو تحدثت عن الإرهاب من وجهة نظر المسلمين، لكن هناك أفلام أخرى كشفت خبايا أكثر صدقًا عن واقع العرب المشوه مثل فيلم “الموريتاني”، إنه الفيلم الذي أضفى طابعًا إنسانيا على هذه الشخصيات وجعلها في قلب الأمور، وهو أيضا يفضح الإدارة الأمريكية وما ترتكبه من أمور وحشية تجاه العرب.
رجل صلب
إنه تجسيد لواقع مرير عاشه بطل حقيقي اسمه “محمد ولد صالحي” كان قد حصل على منحة دراسية في ألمانيا وبمجرد وصوله إلى بلاده وقعت أحداث ١١ سبتمبر، وكونه بطلًا لأنه استطاع أن يُوَلِّد الجلد والقوة والإرادة من بين براثن الألم، فيحكي “كيفن” عن قوة ” محمد ولد صالحي” وكيف أنه أثار انتباهه عندما قابله وجها لوجه واصفًا إياه بإنه رجل صلب الإرادة، فعلى الرغم من قضائه ١٤ عامًا في سجون جوانتانامو دون أن توجه له أي تهم إلا أنه لم تنكسر شوكته حتى بعد تعرضه لأقصى ضروب التعذيب التي لم ولن تخطر على بال أحد.
والمدهش أنه كان يتعامل مع “كيفن” بروح مرحة، حيث وصفه كيفن بأن لديه حنان إنساني عظيم وذكاء شديد، إنه شخص عادي وكان يحب صنع فيلم عنه بأى حال ليعلم العالم بما يحدث، إن ” محمد بن صالح” بالنسبة لـ “كيفن” هو خير وسيلة للتقصي بشأن جوانتانامو وما يحدث هناك.
يجسد شخصية محمد بن صالح، الممثل الجزائري الفرنسي الأصل “طاهر رحيم” وهو ممثل متميز لا يختار أدواره إلا بعناية فائقة، ووصف تلك الشخصية التي سيؤديها بأنها شخصية غير نمطية.
يوميات البطل
يبدأ الفيلم بلقطات سريعة نرى فيها بطل الفيلم، وهو يمضي عطلته بصحبة أهله وأقاربه في حفل زفاف عائلي، لتصله فجأة قوة من البوليس تقتاده من بينهم، وينتهي به الأمر مختفيًا لسنوات ولا يعلم أحد عنه شيئًا، لقد زج به بوش في سجون جوانتانامو، وسوف نعيش معه بداخلها أثناء صولاته وجولاته وهو يحمل راية البطولة.
“جوانتانامو ” هو المجهول.. الهاوية إلى الظلام حيث ممنوع الكلام.. الدفاع عن النفس.. التصوير.. بل كل شيء، فهناك تدار في حق السجناء عمليات نفسية معقدة وأنواع من التعذيب لا مثيل لها، والتي عبر عنها محمد داخل محبسه من خلال كتابة يومياته.. ســـوف يجد ولد صالح نفســـه في إطار ثلاث شـــخصيات هي التي ســـوف تقلب مصيره بشكل كامل، وهم: المحامية الشرسة نانسي هولاندر (الممثلة جودي فوســـتر) ومســـاعدتها تيـــري دونـــكان (الممثلـــة شـــيرين وودلـــي) والمحقـــق العســـكري ســـتيوارت كوتش ســـيديل (الممثل بينيدكت كومبرباتش.)
“هولاندر” تبحث عن الحقيقة
وهنا يأتي التساؤل : لماذا محمد بن صالحي على وجه الخصوص؟!.. إن “هولاندر” هي من أُلهمت معرفة الحقيقة وهي تقرأ ملف ولد صالحي وقد امتزج فى خيالها طبيعة المكان بما يحويه من جلادين ومحققين، حيث أن محمدًا له قريب يعمل لدى بن لادن، فأراد هذا الرجل أن يطمئن على أهله فاتصل بولد صالح عن طريق هاتـــف متصل بالأقمار الصناعية ويعـــود لبن لادن.
ويظهر الفيلم أن هناك دائما شخصيات تبحث عن الحقيقة مهما كلفها الأمر، فرغم شراسة المحامية نانسي إلا أنها كانت معنية بالدفاع عن الحقيقة، وأيضا المحقق العسكري الذي يبرزه في صورة مختلفة غير متأثرا برؤسائه الذين يثبطون هممه في البحث عن الحقيقة المجردة ويريدون منه سرعة إصدار قرار الإحالة لأقصى عقوبة لولد صالحي.
المحقق العسكري
واتخذ “ديفيد” من شخصية المحقق العسكري آداة لفضح الحقيقة بالكامل من عمليات التعذيب التي ليس لها مثيل في التاريخ من خلال مشاهد عبقرية غاية بالدقة، مُسترشدًا بيوميات بن صالح وتسجيلات شديدة السرية والتي تكشف كيف يتم تطبيق بروتوكولات التعذيب الممنهج داخل السجون بحسب توجيهات وزير الدفاع ديفيد رامسفيلد.
إنَّ أصحاب الكهف باقون ما بقيت الحياة، ومهما أظلمت عليهم كهوفهم سيخرجون يومًا ما، وفي كل زمان، لينيروا الدروب حتى لو لم نعرف كم لبثوا في مرقدهم من عدد السنين، ولا عجب أن “كيفن” رأى محمدًا رغم كل ذلك العذاب مُتحليًّا بروح المرح ومازال لديه حنان إنساني عظيم، فالذي ربط على قلبه هو الله.

زر الذهاب إلى الأعلى