عاطف عبد الغني يكتب: الدين والسياسة (٨) قصة أشهر بهائي مصري!
في شهر فبراير من عام 1985 ضبطت مباحث أمن الدولة ، وتم التحقيق في نيابة أمن الدولة مع ستة عشر رجلا و امرأتين، و تم تقديمهم للمحاكمة (ما عدا زعيم التنظيم و أربعة آخرين تم الافراج عنهم).
و أخذت القضية رقم (2266) لسنة 1985 جنح قصر النبل، و بمجرد الإعلان عن هذا التنظيم ثار صخب وضجيج في المجتمع المصرى، و في وسائل الإعلام المصرية والعربية لسببين:
أما السبب الأول فهو أن ملف البهائية الذي كان قد أغلق منذ 13 عاما بعد الحكم في القضية التي اشتهرت بقضية طنطا سنة 1972، عاد هذا الملف يفتح من جديد، فبدا الأمر و كأن هناك شخص ميتا يفتح باب القبر بعد أن انصرف المشيعون عنه، بل وخرج ماشيا علي قدميه!.
والسبب الثاني والأهم هو أنه كان هناك شخصية عامة علي رأس هذا التنظيم، و هو الرسام والصحفي حسين بيكار، والذي أفرج عنه و لم يقدم للمحاكمة هو و أربعة آخرون، لكن محاكمة مجتمعية عقدت لبيكار تولتها عن الناس الصحافة، فماذا قال بيكار؟! و ما الذي أدلي به من اعترافات في غرفة التحقيقات بنيابة أمن الدولة العليا؟!.
حسين بيكار
في مقر نيابة أمن الدولة العليا بمدينة نصر قال حسين بيكار عندما سئل عن البهائية: هي عبارة عن ديانة مستقلة مثل ديانة الإسلام والمسيحية واليهودية، و مثل كل الديانات الأخري، أو هي جوهر و حقيقة كل هذه الديانات؛ فهي حلقة من سلسلة الرسالات السماوية بدءا من آدم ععليهالسلام الي أن يشاء الله، و لم تختلف رسالة عن أخري في هذه المبادىء الأساسية، إنما الاختلاف في العبادات والتشريعات.
وقال إن البهائية جاءت لتنسخ ما قبلها من رسالات وهي رسالة سماوية تنتظرها جميع الأديان؛ فاليهود ينتظرون «جيسيه» (يقصد المسيح المخلّص)، والنصاري ينتظرون عودة المسيح، (عيسى بن مريم)، والمسلمون ينتظرون «المهدي المنتظر»، والبهائية هي التي ينتظرها هذا العصر.
وقال إنها بدأت عام 1844 ميلادية علي يد «علي محمد»، و نسميه «الباب» أي الشخص المؤدي الي الله، ليضع أساس الديانة الجديدة التي تكمل الديانات السابقة، و يسير العالم عليه يجىء آخر يبشر، و قد جاء ابنه حسين و أطلق علي نفسه «بهاء الله»، و قد أعدم الباب نبي هذا الزمان في ايران بمجرد إعلان دعوته واتهام علماء المسلمين له بأنه جاء ليهدم الإسلام».
وواصل بيكار قائلا: « و نحن نعتبره رسول العصر الذي أتي ليصحح المفاهيم العقائدية في مختلف الطوائف، ولذلك نسبت إليه البهائية باعتبارها ديانة عالمية، و من ضمنن البلاد التي طبقت فيها مصر منذ 100 سنة، حيث كان يوجد مجمّع بهائي، و سجلت بالمحاكم المختلطة وكان مقرها بحظيرة القدس بالعباسية، إلي أن صدر القانون رقم (623) لسنة 1960 يحظر نشاط المحافل البهائية في مصر و مصادرة جميع أملاكها و وقف نشاطها.».. (انتهى الاقتباس).
و إذا ما توقفنا هنا للحظات، و أعدنا قراءة أقوال بيكار التي سجلتها النيابة، و حولناها الي عناوين رئيسية فسوف نلاحظ التناقض الآتي:
– البهائية ديانة مستقلة.
– البهائية تنسخ ما قبلها من ديانات.
– البهائية تكمل ما قبلها من ديانات.
– الباب جاء يبشر بالمنتظر.
– كل دين لديه من ينتظره.
– الباب نبي هذا الزمان.
– الباب جاء ليعمم المفاهيم العقائدية في مختلف الطوائف.
وتعليقنا على ما سبق فى الآتى:
أما أن البهائية ديانة مستقلة فهذا تبجح واضح من البهائيين، لأننا يمكن أن نسألهم: ما هو الجديد الذي جاءت به هذه الديانة؟!
و أما أنها تنسخ ما قبلها فهذا ما ينكره البهائيون كثيرا، بل أنكره بيكار نفسه حين قال إنها تكمل ما قبلها لا تنسخ، و في وصفه لمؤسس الطائفة (الباب) قدمه مرة علي أنه جاء يبشر بالمنتظر، و مرة علي أن هناك في كل دين من يُنتظر مثل الباب، و أنه نبي هذا الزمان!! فهل جاء الباب بالدين؟ أم أن الدين هو الذي جاء بالباب؟!
وإذا كان البهائيون يؤمنون بأن كل دين لديه عقيدة في شخص منتظر، فلماذا يجب أن نصدق أن الباب أو البهاء – أو أيهما – هو المنتظر الحق الذي سوف يرفع الظلم عن العالم؟!! ما هذا؟!
ولنعود إلي قصة بيكار.
قال بيكار في تحقيقات النيابة إنه انتخب عضوا في المحفل المركزي، ثم صار نائبا لرئيس المحفل المركزي المصري السوداني، و شمال أفريقيا، إلي أن منع نشاط البهائية في عام 1960، و كان لا بد أن يعقدوا محفلهم فحولوها إلي زيارات بينهم كأصحاب عقيدة، “و كان طبيعيا أن نتزوج من بعضنا (بيكار هو الذي يقول) دون النظر إلي الديانة، و كنا نقرأ المناجاة الخاصة بالبهائيين؛ و هي عبارة عن الأدعية التي نزلها حضرة «بهاء الله» والكتاب الأقدس تجمعت فيه الأحكام البهائية التي قال بهاء الله، و هي منزلة عليه من الله سبحانه وتعالي، أما الألواح فهي كتب تضم خطابات كان يكتبها بهاء الله تتضمن مبادئه و تعاليمه و نصائحه للأحياء في العالم، والكتابان هما مصادر التشريع في البهائية!!.
و ما سبق جزء من أقوال وقصة بيكار مع البهائية، ونستكمل جزءا آخر من القصة أو الحكاية من حديث أجراه بيكار مع صحيفة (المسلمون)، (العدد 44 بتاريخ 7 ديسمبر 1985).
و في رده علي سؤال الصحيفة؛ هل أنت بهائي بالوراثة؟ يجيب بيكار؛ لقد نشأت نشأة إسلامية محافظة و متدينة و حوالي سنة 1928 م حضرت إلي القاهرة للالتحاق بكلية الفنون الجميلة، و كان للعائلة صديق يدعي محمد زين العابدين، و كان بهائيا فكنت أحضر جلساته واستمع إلي ما يقال فيها، والتي كانت تضم مسلمين ومسيحيين كانوا يأتون بأدلة من القرآن والكتاب المقدس علي أن هناك ظهورا جديدا سيأتي، و في الكتاب المقدس ما يؤكد مجي محمد عليه الصلاة والسلام، و كذلك في الكتب السماوية كلها ما يؤكد بأن بعد محمد سيجىء ظهور إله آخر و هو ما يطلق عليه المهدي المنتظر و هو ما يتمثل حاليا – حسبما نعتقد – في بهاء الله ورسالته و كنت أولا أعترض علي هذا الفكر اعتقادا بأن محمدا هو خاتم الأنبياء، و إن الاسلام هو خاتم الأديان، إلا أنه عن طريق قراءاتي المتأنية في الكتب المقدسة سواء الإنجيل، أو التوراة، أو القرآن الكريم، آمنت بما لا يقبل الشك، وباليقين الكامل بأن محمدا حق و موجود وموعود في جميع الرسالات السماوية السابقة، كما أن بهاء الله أيضا موجود بنفس الوضوح في جميع آيات الكتاب المقدس، والقرآن الكريم باعتباره الظهور الألهي الذي سيأتي بعد محمد، و إن من يكفر بهذا الظهور الألهي الجديد المتمثل في شخص بهاء الله كأنه كافر بجميع الديانات السابقة، إذ أن بهاء الله حق وارد في هذه الديانات».
وعند هذه النقطة لابد أن نتوقف مرة أخري مع قصة بيكار و نلاحظ الآتي:
إن هناك من كان يمارس عملية غسيل مخ منظم للسيد بيكار كان هو علي استعداد لقبولها رغم المقاومة الأولي، و لم يكن الذي يقوم بهذه العملية شخص واحد فقط ولكن أكثر من شخص بدليل قوله (كانوا) التي تشير إلي الجمع و ليس المفرد، (أكثر من شخص).
و لك أن تتصور من يجلس في جلسة مع من يتعاطون المخدرات أو يزنون، و يقنعون شخصا ما بأن يمارس ما يمارسونه ليحس اللذة التي يحسونها، أو علي الأقل يمر بها، و يُلحُون في هذا و يزينونه، ألا يكون مثل هذا الشخص عرضة للاقتناع والوقوع في الرذيلة؟!
.. ليكن.. بيكار يقول أيضا إنهم (البهائيون الذي كان يجالسهم) «يأتون بأدلة من القرآن والكتاب المقدس علي أن هناك ظهورا جديدا سيأتي».
أذن فالبهائيون يبحثون في الكتب المقدسة التي نسخوها – أي ألغوا عملها – علي كلمات يؤولونها علي أنها بشارة بالبهاء أو بالباب أو بأيهما، لا ندري!! ثم ان هذا الظهور الذي يدعيه البهائيون هو ظهور إله (حسب النص الحرفي لكلام بيكار) و هذا ليس له إلا معنيان:
١– إما أن البهائيين يعتقدون بالفعل أن البهاء إله.
٢– وإما أنهم يعتقدون في البهاء كما يعتقد المسيحيون في طبيعة المسيح.
والرأي الثاني هو الذي نرجحه و هو يفسر التناقض الغريب المريب في كلام البهاء نفسه، والغريب أنه يقدم نفسه فيه مرات كإله، و أخري كا نبي و رسول، إلي آخره.. وسوف نتناول هذا بعد ذلك بالشرح والتفصيل.