صفحة من حياة المصريين (2)هذا ما فعله الأتراك العثمانلية بثروة مصر العقارية
سرد تاريخى يكتبه: طارق متولى
بعد استيلاء العثمانيون على الحكم فى مصر وبعد أن أعدم السلطان سليم الأول العثمانلى آخر سلاطين الدولة المملوكية طومنباى، ظل سليم الأول فى مصر قرابة شهرين نظم خلالها أمور البلاد وعين حامية من الجند الأتراك على مصر، وعين المملوك الخائن خير بك واليا عليها مكافأة له نظير مساعدته على دخول البلاد ومعرفة أسرارها.
مسرح المشاحنات والفتن
منذ ذلك الحين أصبحت مصر ولفترة غير قليلة قادمة من الزمن مسرح المشاحنات والفتن والقلاقل بين الأتراك العثمانلية، وأمراء المماليك من ناحية، وبين أمراء المماليك بعضهم البعض من ناحية أخرى، ودفع ثمن ذلك جموع المصريين أولاد البلد، من ضرائب فادحة ومعاملة سيئة من جميع الأطراف.
وكان جل اهتمام الدولة العثمانية من هذه المشاحنات والقلاقل هو بسط نفوذها والسيطرة على مقاليد الحكم واستتباب الأمر لها فى مصر والحصول على الخراج السنوى، الذى ترسله كل سنة إلى اسنطبول، وكان يقدر بنصف دخل البلاد، على الرغم من حالة الفقر التى أصابت البلاد جراء الحروب المتتالية.
ولاية لا ثروة لها
ومصر بعد أن دخلها العثمانيون لم تعد دولة ذات أملاك عظيمة كما كانت من قبل، بل صارت ولاية لا ثروة لها إلا من داخلها، وهذه الثروة ذاتها أخذت في الاضمحلال بتسرب الإهمال في مرافق الزراعة والصناعة، ثم إهتداء البرتغال إلى طريق للهند حول جنوبي أفريقيا وصار يعرف هذا الطريق بـ “رأس الرجاء الصالح” وقد حوّل هذا الاكتشاف طريق التجارة بين أوروبا والهند من طريق مصر، إلى المحيط الأطلنطي.
كل ذلك أضعف كثيراً من ثروة البلاد وظهر هذا جليا على مبانى ذلك العصر إذ أصبحت مصر لا تقوى على إنشاء الآثار العظيمة التي كانت تقام من قبل.
وإلى جانب قلة البناء حسب ما اقتضته ثروة البلاد الآخذة فى النقصان تسرب أيضا الإهمال إلى الآثار والمبانى القديمة، فلم يتم صيانتها، ولم يتم زيادتها، وهو ما أصاب الآثار العربية بكثير من الإهمال أيضا، وخاصة بعد أن استولت الحكومة فى هذا الوقت على ربع الأوقاف التى ينفق منها على هذه الآثار وصيانتها وتجديدها.
ما استحدث من المبانى
أما العدد القليل، أو قل ما استحدث من المبانى والجوامع التى بنيت فى هذا العصر، فقد أسبغ عليها الأتراك الشكل التركى، والذى يستخدم القباب بدلا من السقف المأخوذ من نظام بناء كنائس بيزنطة القديمة، وكانت القباب تستخدم فى مصر قبل ذلك فوق الأضرحة والمقابر، وأول جامع بُني في مصر على هذه الأشكال البيزنطية هو جامع سليمان باشا الشهير الآن بسارية الجبل الذي شيد داخل القلعة سنة (٩٣٥ه/١٥٢٨م)، ويليه جامع سنان باشا ببولاق المشيد سنة (٩٧٩ه/١٥٧١م)، ثم جامع الملكة صفية بالداودية المبنى سنة (١٠١٩ه/١٦١٠م).
وما زاد الطين بلة فى هذا العصر، ما ابتدأ به من إصلاح البلاد على النمط الأوروبي، وإنشاء الشوارع المستقيمة، وقد غالى القائمون على هذا الإصلاح فهدموا من أجل إنشاء الطرق الكثير من المبانى والجوامع الأثرية الفريدة، فمثلا «شارع محمد علي» لم يتم إنشاؤه إلا بعد أن هدم لأجله الكثير من المباني الأثرية الفاخرة، ومنها جامع بديع كان فى ميدان باب الخلق تلهج كتب التاريخ بوصف زخارفه وعظمة بناءه.
هدم الجوامع
وجامع «قوصون» أو قيسون، وكان فى موضع العتبة الخضراء الحالى، أيضا أزيلا، وربما كان الخطب أعظم وربما انتهت جميع الآثار العربية والمساجد الإسلامية الأثرية لو لم تؤلَّف لجنة حفظ الآثار العربية التى الَّفها الخديوي توفيق باشا سنة ١٨٨١م لمنع العبث بهذه الآثار والمحافظة عليها، وكان لهذه اللجنة أكبر الأثر فى الحفاظ على تراث وآثار مصر العربية حتى وقتنا هذا.
وإلى لقاء فى صفحة جديدة من صفحات “حياة المصريين”.