أميرة خواسك تكتب: حقوق الإنسان من الداخل!
بات المنصفون فى الشرق والغرب ينظرون إلى تقارير “حالة حقوق الإنسان” الصادرة عن مؤسسات العولمة، أو مؤسسات المجتمع المدنى عابرة الحدود، وتستهدف الدول النامية، أو تلك التى فى صراع وخصومة مع الغرب، هى بالفعل تقارير مسيسة، وأكثرها مشبوه لأنه صادر عن جهات تخضع للتمويل، ونحن جربنا فى مصر ما أطلق عليه “دكاكين حقوق الإنسان” وفى مقالها المنشور فى “الوطن” بتاريخ الأمس 29/9، يحمل عنوان: “حقوق الإنسان من الداخل!”، تلفت كاتبة المقال أميرة خواسك النظر إلى أن هذه التقارير أيضا، وسيلة ضغط عند اللزوم، وتؤكد أن أى تقدم فى مجال حقوق الإنسان ليس بسبب ما تحتويه تلك التقارير، ولكن ترده للتطور المجتمعى والثقافى، للبلدان والدول وإلى نص المقال:
« لا يستطيع منصف فى هذا العالم أن ينكر أهمية حقوق الإنسان فى عالمنا المعاصر، وهذه الحقوق فى النهاية هى مؤشر قوى لتحضر الدول ومدنيتها، بل وقوتها الاجتماعية والسياسية، لكن هذه الصفات تنبع فى المقام الأول من داخل المجتمعات وليس من خارجها، وهى انعكاس حقيقى لوعى المجتمع وثقافته، وبالتالى فإن ما تقدمه المؤسسات الدولية والجمعيات والهيئات -أياً كانت مسمياتها- يحتاج دائماً إلى مراجعات وعدم التسليم بمحتواها تسليماً تاماً، خاصة أنها تعتمد فى طريقة استقصائها وكتابتها على وسائل ليست دقيقة وانتقائية فى كثير من الأحيان.
أقول هذا بعد التقرير الذى نشرته BBC مؤخراً عن معاناة المرأة الأفغانية بعد سيطرة جماعة طالبان على الحكم، وقد تناول التقرير معاناة ٢٢٠ قاضية أفغانية يختبئن خوفاً من انتقام المجرمين الذين سبق وأصدرن بحقهم أحكاماً فى قضايا قتل واغتصاب وتعذيب واستخدام عنف، حيث أفرجت «طالبان» عن المسجونين من جماعتها فى قضايا جنائية بمجرد سيطرتها على الحكم!
تقول إحداهن إنه فور إطلاق «طالبان» سراح المجرمين الطالبانيين كل القاضيات اختبأن خوفاً من الانتقام، وبعد هروب هذه القاضية اتصلت بها جارتها وأخبرتها أن عدداً من رجال «طالبان» يسألون عنها، ومن مواصفاتهم فهمت أن منهم رجلاً سبق أن حكمت عليه بالسجن عشرين عاماً بعد أن قتل زوجته بوحشية، وتقول: «بعد الحكم فى القضية تقدم منى الرجل وقال سأفعل معك ما فعلته مع زوجتى»!
كما تقول القاضية أيضاً إنها وزميلاتها سجينات لا يملكن نقوداً، ولا تستطيع أن تغادر المنزل، ولا تستطيع أن تشرح لطفلها لماذا لا يمكنه التحدث لأطفال آخرين أو اللعب معهم فى الخارج، وبهذا تكون القاضيات قد تحولن لسجينات دون ذنب ارتكبنه سوى السعى للعدالة.
التقرير طويل ومؤلم، لكن ما يحدث للمرأة على يد «طالبان» فى أفغانستان يحدث مثله فى الأراضى المحتلة الفلسطينية على يد إسرائيل، ويحدث مثله بصور أخرى متعددة فى مناطق كثيرة من العالم، معظمها دول نامية، والتقارير التى تكتبها المنظمات الحقوقية بشأن هذه القضايا توضع على الأرفف، هذا إن كتبت من الأساس!
من هنا فإن أى ملاحظات أو تقارير أو حتى تلويح من تلك الهيئات والمنظمات يجب أن توضع فى حجمها الحقيقى، فلا أعتقد أن دولاً قد تغيرت أو حتى استفادت من هذه التقارير، وأنها لم تكن سوى وسيلة ضغط عند اللزوم، وأن أى تقدم فى مجال حقوق الإنسان ليس بسبب ما تحتويه تلك التقارير، ولكن لتطور مجتمعى وثقافى.
لهذا فإن الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، التى صدرت منذ عدة أسابيع فى مصر، التى تتضمن تطوير سياسات وتوجهات الدولة فى التعامل مع عدد من الملفات المتعلقة بحقوق الإنسان هى خطوة مهمة بدأتها الدولة المصرية لإكمال منظومة الإصلاح والتقدم، بما يحقق مصلحة المجتمع، وبما يلائم تجربتنا المصرية، واكتمال هذه المنظومة يضع الدولة المصرية على طريق التحضر والوعى على مستوى الدولة وعلى مستوى الأفراد معاً، ويؤكد أننا على الطريق الصحيح دون وصاية من أحد، كما يتطلب أن ينسحب هذا الوعى على المواطن ليعرف حقوقه وواجباته معاً، ولعل هذا يحتاج تحديثاً للمواطن المصرى تماماً، كما يتم تحديث الخدمات المقدمة له».