رجب الشرنوبي يكتب: قفزة في الهواء
بدأ العد التنازلي لترجمة محاولات التقارب التركي مع القاهرة إلي واقع فعلي علي الأرض..وصول وفد تركي إلي مصر خلال يضم مسئولين أتراك في وزارة الخارجية وجهاز الأمن التركي للجلوس مع نظرائهم المصريين وجهاً إلي وجه و لأول مرة بشكل معلن ومعد سلفاً للتشاور حول إمكانية عودة العلاقات المشتركة مرة أخري.
تعتبر الزيارة خطوة طبيعية ومتوقعة ترقبها كثير من المحللين في أي وقت حتي وإن أختلف كل منهم في تقدير موعدها..ويرجع هذا الإختلاف في تقدير التوقيت بين المحللين لرؤية كل منهم للدور الذي يمكن ان تلعبه المتغيرات المحلية في كلا البلدين وكذلك المتغيرات الدولية والإقليمية علي الأرض..يأتي هذا اليقين بعودة العلاقات إنطلاقاً من قاعدة هامة وضرورية في عالم السياسة..فكما هو معروف ليس هناك صداقة دائمة كما لايوجد أيضاً قطيعة إلي الأبد..هذا مايجب أن يدركة من يعمل بالسياسة عند الحكم علي عمل وتحركات قادة الدول وإدارتهم لكافة ملفات دولهم والدفاع عن مصالحها وخصوصاً تلك الخاصة بتحديد علاقات الدوله بجيرانها ومحيطها الأقليمي والدولي.
قطيعة وتوتر في العلاقات أستمرت لعدة سنوات بعد ثورة الشعب المصري في الثلاثون من يونيو علي حكم الإخوان الذي لم يستمر سوي عام واحد..ثم أستقبلت أنقرة كوادر الإرهاب الإخواني علي أراضيها وسخرت لهم الأراضي التركية لتكون بمثابة منصة لقتل المصريين وإستهداف مصالحهم ومقدراتهم وأمنهم القومي..كان هذا الخطأ التركي الكارثي بمثابة إنزلاق القدم التركية إلي مستنقع من العلاقات الدولية السيئة وتحركات مشبوهة نحو شركاء الأقليم ودول الجيران.
القبول التركي بتفيذ بعض المطالب المصرية بصورة عاجلة حتي تقبل مصر أن تكون طرفاً للحوار مع تركيا وتحديداً بالقاهرة لايحمل سوي معني واحد وهو الرغبة التركية الجامحة في عودة العلاقات مع مصر.
بصرف النظر عما ستسفر عنه الإجتماعات وشكل وحجم العلاقات التي يمكن أن تعود بين الدولتين..وبصرف النظر عن التكاليف والتضحيات التي يمكن ان يقدمها كل طرف أو حتي بصرف النظر عن مالدي أياً من الفريقين من أوراق ضغط سياسية يمكن له إستخدامها لتحقيق مصالحه الخاصة..أعتقد أن لدينا عدد من الإشارات التي يمكن أن نستقبلها من الظروف المحيطة بهذه الزيارة..محاولين قرائتها حتي نتفهم قيمة وأهمية الزيارة.
أولاً: يجب أن نعلم بأن كل من مصر وتركيا يمثل دولة كبيرة تمتلك وزن نسبي وتأثير فعلي علي خريطة السياسة الدولية والإقليمية لايمكن التغاضي عنه..كما أن كل منهم له مساهمات حقيقية في التاريخ الإنساني..حتي وإن كان تاريخ العمانيين في المنطقة بما فيه النسخة الحالية”تركيا” لم يتخطي الألف عام بينما تضرب جذور المصريين في عمق التاريخ مايتخطي الثمانية آلاف عام.
ثانياُ: الحرص التركي علي عودة العلاقات منذ فترة غير قليلة وبشكل غير معلن وفقا لبعض التسريبات حتي لو كان هناك إختلاف ظاهري وجذري حول عدد من الملفات..هذه الرغبة التركيةتثبت بما لايدع مجال للشك أن أنقرة قد أخطأت التقدير عندما أختارت بمحض إرادتها البعد عن القاهرة وإظهار العداء لها..كما تثبت أيضاً أيضاً أن ورقة الإخوان التي تمسكت بها القيادة التركية ورقة هشة وضعيفة لايمكن الإعتماد عليها في تحقيق مصالح تركية في الداخل المصري..بعد أن تيقنت القيادة التركية أن تأثير الإخوان تأثير وهمي لايمكن ان تعول عليه أنقرة.
ثالثاً: قرأة القيادة السياسية للمعطيات المحلية والمتغيرات الدولية عندما تولت المسئولية مصحوبة بتقدير موقف صحيح وواقعي من الرئيس السيسي ومؤسسات الدولة متضمناً عمق وشمولية في الرؤية..كان بمثابة تشخيص سليم أدي إلي نجاح مصر في إعادة ترتيب أوراقها بشكل سريع وخصوصاً الإقتصادية والعسكرية وتحقيق نجاح سريع في بعض الملفات التي قد لاتبدو مهمة في نظر كثيرين ومنها التصدي الواضح للهجرة غير الشرعية لأوروبا في مقابل تراجع ملموس في الإقتصاد التركي..أعطي ذلك مزيداً من الثقة للقيادة المصرية في التحركات الإقليمية وساهم في بناء علاقات متميزة ومثمرة..في حين مثل التراجع الإقتصادي ضغط واضح علي القيادة التركية التي ذهبت إلي محاولات متكررة لإستنزاف الأوروبيين والتهديد بورقة الهجرة غير الشرعية من آن لآخر..أدي هذا التهديد أيضا ًفي النهاية إلي تاثير واضح في العلاقات الأوروبية التركية وأيضاً علاقتها بدول الجوار.
رابعاً: هذا التقارب المصري التركي من البديهي أن يكون خطوة اولي للتقارب التركي العربي خصوصاً أن مؤتمر العلا والذي جمع قطر بالرباعي العربي كان لايمكن ان يتم بدون تنسيق بين الدوحة وأنقرة وهو مايمكن أن نعتبرة مقدمة من تركيا لفتح حوار جديد مع الأطراف العربية وفي مقدمتها مصر..إضافة إلي علاقة مصر بالثنائي الأردن والعراق والتحالفات المصرية معهم في السنوات الأخيرة والتأثير المصري في المحيط العربي عموماً وهو ماتدرك أنقرة أهميته.
خامساً: التأثير المصري في ليبيا في مقابل وجود تركي مشبوه وغير شرعي وعلي غير رغبة المجتمع الدولي..كذلك العداء مع مصر وإيواء الإرهابيين ورقة تستخدمها المعارضة التركية في الضغط علي أردوغان بغرض التأثير علي شعبيته يوماً بعد يوم في الداخل التركي خصوصاً أن النظام التركي مقبل علي إنتخابات العام القادم..وهما ورقتان يمكن أن نعتبرهما من المحفزات الرئيسية لإتمام هذا التقارب.
إذا كانت هذه رغبة تركيا فهل لدي القاهرة نفس الرغبة لعودة العلاقات؟؟!!!
من المؤكد أنه توجد رغبة مصرية في عودة العلاقات الطبيعية المحترمة مع تركيا وغيرها من الدول وإلا مابدأت حوارات بهذا الشأن وماأستقبلت عاصمتها الوفد التركي..لكن ماهي دوافع الرغبة المصرية في عودة العلاقات مع تركيا؟؟!!
بداية كون مصر وعبر تارخيها الطويل دولة معتدلة لم تطرق طبول الحرب اوتناصب العداء لأي من الدول ولو مرة واحدة إلا لإستعادة حق كان قد سُلب منها قبل ذلك.
ثم أن مصر بلا شك تسعي لبناء شبكة علاقات دولية وإقليمية متميزة تساعدها في تحقيق مصالحها وبلا شك تركيا إحدي هذه الدول.
إضافة إلي ذلك مصر تعلم جيداً أن الدور التركي له تأثير مهم في بعض الملفات ومناطق النزاعات وخصوصاً العربية والأفريقية ووجود تنسيق مشترك يمكن أن يؤدي إلي تحقيق مصالح قومية ومهمة للطرفين.
أيضاً التعاون التجاري والإقتصادي والتكنولوجي مع الأتراك والإستثمار المستقبلي التركي داخل مصر قد يكون مناسباً لوجود قواسم وتشابهات مشتركة بين التجربة التركية التي لاشك أنها من أنجح التجارب حول العالم حتي العام 2014″قبل ان يتدخل الإنتماء العقائدي مع التنظيم الدولي للأخوان في صنع القرار السياسي التركي”وهو مايمكن أن يكون نموزجاً مناسباً للتجربة المصرية الناشئة والتي شهدت تحولاً جوهرياً عما سبق وقد حققت نجاح ملحوظ خلال السنوات القليلة الماضية.
مؤكد سيتم تناول العديد من الملفات المشتركة وسيتم التباحث حولها..من المتوقع أن تكون بعض الملفات علي اولوية الإهتمامات..مثل ملف الإخوان والوضع داخل ليبيا والعلاقة التركية بالمليشيات الإرهابية داخل سيناء ودول الساحل والصحراء وتهديدهم للأمن القومي المصري خصوصاً في ظل الغياب الأمني في ليبيا..أيضاً بعض القضايا الأخري التي تمثل أهمية للطرفين مثل علاقة تركيا بدول الخليج والوضع في سوريا والعراق وبالطبع لايمكن تغافل التأثير التركي علي الدوحة وبعض أنشتطها الغير سوية.
كيف تسير المفاوضات؟؟ ماذا يمكن أن تسفر عنه الإجتماعات ؟؟!! إلي إتجاة تسير مكاسب اللقاء ؟؟!! هذا مايمكن أن نقرأه بعد ساعات علي صفحات الجرائد والمجلات والمواقع الإلكترونية..لكن تبقي دائماً القواعد والأصوليات والتجارب الفعلية..فليس هناك صداقات دائمة أو قطيعة إلي الأبد في عام السياسة والعلاقات الدولية..التقارب المصري التركي قادم لا محاله..متي وبأي صيغة وإلي أي كفة يمكن أن تميل النتائج ؟؟!! هذا ماسوف تحسمة قدرة القيادتين علي إدارة اللعبة.