رشا ضاحى تكتب: رحلة.. (١٩) القوي المتين
تمضي بنا رحلتنا مع أسماء الله الحسنى واليوم نتحدث عن اسمين من أسماء الجلال وهما القوي المتين
ورد اسم القوي في القرآن تسع مرات منها:
﴿اللَّهُ لَطيفٌ بِعِبادِهِ يَرزُقُ مَن يَشاءُ وَهُوَ القَوِيُّ العَزيزُ﴾ (الشورى: ١٩)
وغالبا ما يقترن اسم الله القوي باسمه العزيز، فالقوة والعزة بينهما تلازم، ليبين أن قوته عن عزة وغنى.
وورد اسم المتين في القرآن مرة واحدة، في قوله تعالى:
﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزّاقُ ذُو القُوَّةِ المَتينُ﴾ (الذاريات: ٥٨)
وارتباط اسم الله الرزاق بصفة القوة وباسمه المتين في الآية السابقة يقوي في قلب العبد الثقة به وبرزقه جل في علاه، فالله لا يعجزه أن يرزقك لأنه قوي و بيده خزائن السماوات و الأرض.
قال السعدي: من قوته أنه أوصل رزقه إلى جميع العالم.
وقال العلماء: القوة تدلُّ على القدرة التامة، والمتانة تدلُّ على شدَّة القوة .
والقوي: هو الكامل القدرة على الشيء ، الذي لا يغلبه غالب ولا يرد قضاءه راد ينفذ أمره، ويمضي قضاؤه في خلقه، شديد عقابه لمن كفر بآياته
و الله سبحانه ذو القوة المتين أي ذو الاقتدار الشديد وهو القوي الشديد الذي لا تنقطع قوته ، ولا يلحقه في أفعاله مشقة ولا كلفة ولا تعب ، وهو سبحانه بالغ القدرة
والفرق بين القدرة والقوة :
أن القدرة هي التمكن من الفعل بلا عجز،
أما القوة فهي التمكن من الفعل بلا ضعف .
والقوة أشد خصوصية فكل قوي قادر وليس كل قادر قوياً
وكلما زاد علم العبد بمعنى اسم الله القوي زاد توكله على الله جل وعلا
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ألا أُعلِّمُك أو ألا أَدُلُّك على كلمةٍ من تحتِ العرشِ من كنزِ الجنةِ ؟ تقول : ( لا حولَ ولا قوَّةَ إلا بالله ) ،
فيقول اللهُ : أسلمَ عَبدي واستسلَم.
قال النووي رحمه الله : “قال العلماء في سبب أنها كنز من تحت العرش أنها كلمة استسلام وتفويض إلى الله سبحانه وتعالى”
معنى لا حول ولا قوة إلا بالله
ومعنى: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّابِاللَّهِ، قال ابن عباس رضي الله عنهما: “أي: لا حول بنا على العمل بالطاعة إلا بالله، ولا قوة لنا على ترك المعصية إلا بالله”
وهذه الكلمة شاملة وعامة، فهي كما قلنا سابقا استسلام وتفويض وتبرؤ من الحول والقوة إلا بالله، وأن العبد لا يملك من أمره شيئًا وليس له حيلة في دفع شر، ولا قوة في جلب خير إلا بإرادة الله تعالى،
فلا تحوُّل للعبد من معصية إلى طاعة، ولا من مرض إلى صحة، ولا من وهن إلى قوة، ولا قوة له على القيام بشأن من شؤونه إلا بالله القوي المتين.
ومن أثار الإيمان باسمي الله القوي المتين:
الإيمان بأن القوة لله جميعا وأنه لا قوة تفوق قوته ، وكل قوة لا تُستمد إلا من الله.
﴿وَمِنَ النّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دونِ اللَّهِ أَندادًا يُحِبّونَهُم كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذينَ آمَنوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَو يَرَى الَّذينَ ظَلَموا إِذ يَرَونَ العَذابَ أَنَّ القُوَّةَ لِلَّهِ جَميعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَديدُ العَذابِ﴾(البقرة: ١٦٥)
فلا تستعن أيها الإنسان بغير الله سبحانه وتعالى
الذي خلقك من ضعف، ثم أوصلك إلى القوة، ثم عاد بك إلى الضعف مرة أخرى، فلا تغتر بقوتك مهما بلغت فإن المؤمن إذا عرف قوة الله تواضعَ، فلا يجتمع كِبْرُ مع معرفة قوة الله عزَّ وجلَّ.
ومن الآثار الهامة أيضا لهذين الاسمين ألا يتسلل اليأس إلى قلبك لأنك تتعامل مع القوي المتين جل جلاله، الذي لا يعجزه شيء، ولا يغلبه ؛ ولهذا كان اليأسُ من روح الله من صفات الكافرين؛
﴿إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾ (يوسف٨٧)
ففوض أمرك إلي خالقك واجعل قلبك متعلق به عزوجل
وكن على يقين دائم من فرج الله القوي المتين.
حتى نلتقي دمتم في رعاية الله وأمنه.