ليس فقط لزيادة الدخل ولكن أيضًا لتحقيق الذات.. عمل المرأة وما تفرضه عليها تحديات العصر
كتبت: أسماء خليل
منذ عهدٍ ليس بالبعيد كان عمل المرأة موضوع نقاش يدور ما بين الرفض والقبول، وتدور رحى النقاش إلا في ذلك الإطار؛ والآن مع تغير أحداث الزمن، أصبح عمل المرأة من المهام الرسمية التي فرضها عليها المجتمع.
وأبلت المرأة بلاءًا حسنًا وأثبتت استحقاقًا بالجدارة في مساندة الرجل، فليست المرأة الآن في حاجة للإمساك ببوقٍ والتحدث فيه بصوتٍ مرتفع أنها تُحاكي الرجل في تحمل المسؤولية، مع التأكيد أنها لا تريد بأى شكل استبدال زوجها بإثبات وجودها، ولكن فقط لتشعر بالحياة.
وكذلك تناسبًا مع العصر الإليكتروني باتت تعمل من المنزل، وباستطاعتها زيادة دخلها بمزيد من الأفكار وإعمال العقل.. إنها لم تتبنَ الحياد والسلبية في مواجهة المشاكل الاقتصادية التي تواجهها أسرتها، ولم ولن تترك زوجها يترنح بين أروقة العوذ والديون مُثقلٌ بالأعباء، ومابرح العالم يقدم لها التحية اعترافًا بدورها البنَّاء الجديد.
وفي ذلك الصدد تقول الدكتورة “إيمان عبدالله” أستاذ علم النفس وخبيرة الإرشاد الأسرى، إنَّ تلك القضية تستدعي المناقشة، حيث إن كثير من الزوجات تحب أن تُزيد من دخلها وخصوصًا بعد الأزمات الاقتصادية العالمية، وكذلك تضرر الكثيرات بعد أزمة كورونا وما لها من تداعيات في سوق العمل؛ فقد أصبح الأجر منخفضًا عقب تلك الجائحة أو ربما فقدت المرأة عملها، ولم تُميز تلك الجائحة بين الطبيبة أو المهندسة أو أستاذة الجامعة أو…. إلخ، فبدأ الاتجاه العالمي ينحو نحو عالم الإنترنت والفرص المتاحة فيه من للعمل بالمنزل.
العصر الإليكتروني
كما تطلق أستاذ علم النفس على هذا العصر اسم “العصر الإليكتروني”، فقد أصبح كل شيء بالأرقام والأكواد، فلا يوجد أحد لا يتعامل عن طريق الإنترنت، إنَّ ذلك سمة العصر، وذلك التقدم الهائل هو ما أطاح بالكثير من المهن والأعمال، وتؤكد أن التحديات السابقة لدى المرأة كانت في مدى تأثير العمل على بيتها وأولادها؛ ولكن الآن يُمكنها العمل من المنزل سواءًا من خلال أنشطة حرة أو بالبحث عن وظيفة عبر الإنترنت لزيادة دخلها، مما يُتيح لها رعاية أولادها وفي ذات الوقت ممارسة ما تحب وزيادة دخلها.
وتذكر خبيرة الإرشاد الأسرى أن من بين تلك الأشياء التي تستطيع المرأة عملها من المنزل، التسويق للمنتجات مثل “الاكسسورات”، أو المأكولات والحلويات أو تدوير الأشياء وإعادتها صالحة مرة أخرى، أو شغل الشركات من البيت والأدوات المنزلية والملابس، وكذلك “الفيديوهات الإرشادية” ولكن لابد لمن تقوم بتقديم تلك المادة المُوجهة أن تتحرى الاحترام والحياء ومراعاة الأدب فيما تبثه عبر قناتها، وعدم التفاهة مثلما نرى البعض يفعل ذلك بلا خجل.
وتوضح الدكتورة إيمان أن تلك الأعمال التي تقوم بها المرأة، ليست فقط لزيادة الدخل، ولكن أيضًا لتحقيق الذات، وممارسة هوايتها وعدم تضييع وقتها بما ليس به جدوى، ومن تلك الأعمال أيضًا الرسم على الزجاج وشغل الأركت وبيع الأشياء الموسمية، كمُتطلبات رمضان والأعياد، فليست المرأة الآن بحاجة أن تتحدث عن مناصفتها للرجل وتضيع وقتها في الجدال، إنها بحق تحقق ذلك وهي بمنزلها.
وتدعو عبد الله المرأة إلى ضرورة أن تعي شيئًا هامَّا؛ إذ ليس المقصود من كونها أصبحت فردًا مُنتجًا أن يجعلها غير ذلك تشعر من داخلها بأنها عبء على زوجها، فمن حقها أن يُمتعها زوجها على المُوسع قدره وعلى المُقتر قدرهُ، فعملها ليس إلَّا تطلعات للارتقاء والارتفاع بالمستوى المعيشي بنفسها وأسرتها، وكذلك مساندة زوجها في خضم ذلك الغلاء المستشري بالمجتمع، وخاصةً بالآونة الأخيرة، فعلى الرجل القيام بواجباته كاملة ويظل دخل عملها فقط لسد زريعة باقي مُتطلبات الحياة.
اقرأ أيضا: مشادة كلامية بين ضيوف برنامج “هي وهما” بسبب ندية المرأة مع زوجها (فيديو)
إن العمل النسائي الآن، ليس بحاجة إلى أرقى الشهادات، فتقول أستاذ علم النفس أنه بالإمكان أن تُدر إحداهن دخلًا فقط من إعداد وصفة لتجميل الوجه، أو طريقة لطهو أحد المأكولات أو مجرد معلومة بسيطة تطرحها على المجتمع، و يتابعها آلاف المتابعين.
عمل المرأة منذ القِدم
تؤكد الدكتورة إيمان أن المرأة كانت تعمل منذ قديم الزمن؛ فقد كانت السيدة خديجة – رضي الله عنها – تعمل بالتجارة،وأكثر عمل النساء من المنزل في عهد الرسول – صلى الله عليه وسلم – كان بالنسيج والغزل، وكذلك في عهد سيدنا موسى – عليه السلام – سمع الجميع عن الماشطة، وذلك على سبيل المثال وليس الحصر.
تواجد المرأة بالبيت
وتقوم خبيرة الإرشاد الأسرى بالتأكيد على تلك النقطة الهامة جدا، وهي أن المرأة تعمل تلك المهن وهي وسط أولادها، فقد كان ذلك الأمر – قديمًا – يُثير استيائها، فكانت دائمة الرفض لخروج المرأة قُبيل سن الخامسة من عمر أطفالها، فالآن يتثنى لها عمل تلك الأشياء وهي تشمل أولادها بحنانها ورعايتها، ككتابة المقالات الصحفية ذات المحتوى الجيد، والتفريغ الصوتي والترجمة والتصحيح اللغوية، وكتابة السيرة الذاتية ومراجعة الكتب ورسائل الماجستير والدكتوراة….إلخ..كل ذلك دون خروجها من المنزل وما يستدعي ذلك من عقبات لها تأثير سلبي على الأسرة والمجتمع.
ليست مُتمردة
وتُشير عبد الله إلى أن المرأة التي تريد زيادة دخلها وممارسة هواياتها ليست امرأة متمردة، ولكن كونها شخصًا منتجًا له استقلال مادي، يؤثر بالإيجاب على شخصيتها مما ينعكس على من حولها بالإيجاب، وكذلك للمرأة – في الإسلام-ذمتها المالية الخاصة، كما أن تلك الأعمال تكسبها ذكاءًا اجتماعيًّا، وشهرةً بين صديقاتها مما ينعكس على روحها المعنوية، ولابد أن تنسق المرأة وقتها بين عملها عن طريق الإنترنت بتخصيص وقتًا له وكذلك وقتا لرعاية أبنائها؛ فذلك يجعل الأبناء يشعرون بالمسؤولية تجاه العمل محاكاة لأمهم التي يرونها ناجحة في كل شيء.
تقول خبيرة الإرشاد الأسرى، إن العمل من المنزل مشروع خاص لا يحتاج إلى خبرة ورأسمال ولا مواصلات ولا إجهاد، بلا انتشار للأمراض، فالعمل اليومي يزيد من انتشار كورونا، فالتباعد يفرض نفسه الآن.
كذلك تتحمس المرأة بألَّا تضيع وقتها، وذلك عن طريق رؤية من يربحون بشكل يومي، وهذا يقلل من الضغوط بمراعاة الشق النفسي كالاكتئاب، وأيضًا شعورها بقيمتها بالحياة؛ مما يضبط لديها الجانب النفسي والحسي، ويجعلها تشعر بالاستقرار.
وتستطرد أن عمل المرأة يُعالج المشاكل الناجمة من الزوج البخيل والمتقاعد عن العمل أو المهاجر، أو من طلق زوجت، وتؤكد أن الضغوط المهنية على المرأة ذلك كائن رقيق وسط متاعب الحياة؛ يزيد لديها هرمونات الذكورة، فلابد من مراعاة الأنوثة داخلها ولا تنسى أنها ليست ندًّا للرجل، “أنتِ لا تستبدلين زوجكِ بحفنةٍ من المال، سيظل هو الرجل وأنتِ تُساعدينهُ”،ذلك ما أوضحته دكتورة إيمان.
الأسر المنتجة في ثوبها الجديد
تشير أستاذ علم النفس، أن ذلك بحق إعادة تدوير لذلك المصطلح، فتلك هي الأسر التي كانت قديما تنسج وتغزل وتصنع المفروشات والأصواف والمعلبات، والتحف الفنية وتعرضها بمساعدة الدولة في المعارض والأسواق، هي الآن تلك الأسر في العصر الإليكتروني بدون إيجار معرض أو محل، فالعمل عن بعد هو النموذج الأمثل لامرأة، كما أن التسوق الإليكتروني يقضي على الملل.
خط أحمر
وأخيرًا، تؤكد الدكتورة إيمان على عدم استباحة البيوت أمام العالم، بتصوير فيديوهات تكشف المنزل بالكامل وأفراد الأسرة؛ فليس كل جزء بالبيت بإمكان العالم رؤيته، فلابد أو يكون المنزل له قدسية واحترام، وكذلك عدم الإيحاءات والإيماءات الجنسية مثل فيديوهات حنين ومودة التي انتشرت أخيرًا، وكل ذلك من أجل التربح المادي فقط وخسران النفس والقيم والأخلاق.