الانتخابات العراقية بين الواقع والمأمول
تقرير- هاني الجمل
هل تغير نتائج الانتخابات البرلمانية الحالية في العراق شكل الخارطة السياسية بها؟ أم ستكون كسابقاتها وترسخ الوضع الحالي في بلاد الرافدين؟
فالانتخابات الحالية، وهي الخامسة منذ 2003، تأتي بينما يواجه العراق انقسامات كبيرة بين الكتل والأحزاب والسياسيين، إلى جانب الحراك السياسي الذي ضغط بقوة، لتغيير الطبقة المُتحكمة بأوصال الدولة المنهكة اقتصادياً وسياسياً وأمنياً.
ورغم نظرة التشاؤم التي يبديها البعض حيال هذه الانتخابات، التي يتنافس فيها نحو 3240 مرشحاً على المقاعد النيابية الموزعة بين 320 مقعداً، فإن الاقبال عليها كان كثيفاً، من قبل منتسبي المؤسسة العسكرية، وفئات النازحين، ونزلاء السجون، وسط إجراءات وُصفت بـالميسرة، الأمر الذي يوحي بأن المشاركة الشعبية ستكون كبيرة هذه المرة.
وفي هذا السياق أعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات أن نسبة التصويت الخاص بالفئة سابقة الذكر بلغت 69 في المائة، وأن عدد المصوتين بلغ أكثر من 821 ألف ناخب، وأن محافظة بابل سجلت أعلى نسبة مشاركة بلغت 80 في المائة.
ومن المعروف أن الانتخابات الحالية كان من المفترض أن تُنظم العام المقبل، لكن موعدها قُدم استجابة لضغوط المحتجين، الذين نزلوا إلى الشوارع، وجابهوا الحكومة وأجهزتها والميليشيات المنتشرة، وقوى خارجية أرادت تثبيط حراكهم، الذي انطلق بسبب تفشي الفساد وضعف الخدمات وإساءة النخبة استغلال السلطة لإثراء نفسها.
قانون جديد للانتخابات
وحاول سياسيو العراق الترويج للانتخابات الحالية، باعتبارها مختلفة عن سابقاتها في ظل قانون انتخابي جديد يقسم المحافظات إلى دوائر انتخابية على أساس الأقضية والمدن، إضافة إلى اعتماد الترشيح الفردي دون الانضواء في قوائم، الأمر الذي يعبر بصورة أكبر عن إرادة العراقيين عبر تعزيز فرص المستقلين. ولا يمكن لعين المراقب لهذا الحدث الديموقراطي في العراق أن يغض الطرف عن عامل جديد طرأ على هذا الحدث، وهو قانون الانتخابات الذي أقر بعد تأجيل، والذي يضمن نظام الدوائر المتعددة المغلقة، والترشح الذي لا يتطلب الانضواء في قائمة حزب ما، وكذلك تقسيم المحافظات إلى عدة دوائر انتخابية صغيرة.
وقد انقسم المحللون حول تلك الخطوة، حيث يرى البعض أن في ذلك فرصة للإفلات من سلطة الأحزاب والكتل السياسية الكبيرة، فيما يرى آخرون أن النظام الجديد لن يغير الكثير من دون قانون ونظام يقيد سلطة الأحزاب وأذرعها المسلحة التي بمقدورها التأثير على أصوات الناخبين.
الحكومة ونزاهة الانتخابات
ومن جانبها تعهدت الحكومة العراقية، بإجراء الانتخابات بكل نزاهة، حيث سمحت ل 130 مراقباً دولياً بمتابعتها، وخاطب رئيسها مصطفى الكاظمي، العراقيين قائلاً ” إن الانتخابات هي المسار الوطني لإنتاج مجلس نواب جديد، ولحماية وطننا وبناء الدولة، اختاروا من يمثلكم بحرية وعلى أساس قيم العراق الوطنية واصنعوا التغيير بإرادتكم”.
وحول احتمال تغير شكل الخريطة السياسية في العراق بعد الانتخابات الحالية، قال الدكتور إحسان الشمري رئيس ” مركز التفكير السياسي” في العراق،” إن القوى التقليدية، ستهيمن على ما نسبته 80 في المائة من مقاعد البرلمان أو أقل قليلاً، بينما ستكون نسبة 15 إلى 20 في المائة لأحزاب أو شخصيات مستقلة”، متوقعاً العودة إلى العرف نفسه الذي سارت عليه القوى السياسية بشكل عام، وهو المحاصصة الطائفية والعرقية؛ بما في ذلك الرئاسات الثلاث التي ستبقى كما هي.
وأشار إلى أنه ” لا يوجد تغيير كبير أو جذري إلّا في حالة واحدة؛ وهي مشاركة واسعة في الانتخابات بحدود 80 في المائة بحيث تتغير المعادلة بشكل كامل، لكن لا مؤشرات على ذلك حتى الآن”. وبيّن الشمري أنه ” في حال أحكمت القوى السياسية سيطرتها ثانية على مؤسسات الدولة؛ فإننا سنكون أمام حالة ارتطام كبير، خصوصاً أن الشعب العراقي لن يسكت عن هذا الواقع ما لم تعمل هذه القوى على تقديم وجوه جديدة لإدارة الدولة، وهو أمر مستبعد تقريباً؛ الأمر الذي يجعلنا نرجح أننا سنكون أمام بوابة أزمة جديدة”.
حظوظ التيار الصدري
يتفق معظم المحللين على أن الانقسام المذهبي والقومي لن يتغير في العراق، ومن الأرجح ظهور تحالفات تعقد كل مرة لحجز حصة الكتلة الأكبر، صاحبة الحظ الأوفر لترشيح اسم رئيس الحكومة، حيث يعود، صانع الملوك في بلاد الرافدين وهو التيار الصدري بقيادة زعيمه مقتدى الصدر ليلعب دوراً محورياً في تحديد نتائج الانتخابات، وهو الذي ما إن ينأى بنفسه عن العملية السياسية، حتى يعود من جديد مؤثراً على قرار تحديد رئيس الحكومة. أمّا بالنسبة لمنصبي رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان، فجرى العرف على توزيعهما على الكرد والعرب السنة.
الدور الإيراني
وفي هذا الإطار يرى مراقبون أن تحديد السيناريو الذي سيقود إلى تشكيل ” الكتلة الكبرى” مرهون، إلى جانب النتائج، بالظروف الإقليمية، والدور الإيراني في مفاوضات تشكيل الحكومة.
ففي حال نجحت تكتيكات الصدر الانتخابية، فإن أقرب حلفائه سيكونون الأوفر حظاً لتشكيل الكتلة الكبرى. وبحسب قياديين في تحالف ” الفتح “، المظلة السياسية للفصائل، فإن وصول السلطة للصدر وحلفائه سينذر بتغيير في قواعد اللعبة، وسيكون “الحشد الشعبي” في مرمى تغييرات جوهرية، أبرزها الحد من سطوة النفوذ الإيراني عليه.
ويخشى سياسيون عراقيون من أن يتحول فوز الصدر وحلفائه إلى لحظة صدام قد تدوم شهوراً بعد الانتخابات، دون استبعاد توتر أمني بين الخصوم الشيعة، حيث يمكن أن يجبر التوترُ الجميع على حكومة ائتلافية برئاسة مرشح يمكنه السيطرة على التوازنات مع الإيرانيين، ذلك أن سيناريو فوز الصدر لن يشكل نهاية لنفوذ طهران، بل للحد منه.
ولهذا تطرح صالونات الأحزاب الشيعية اسم مصطفى الكاظمي لولاية ثانية، لكنه سيأتي هذه المرة بظهير سياسي قوي يمثله تحالف الصدر.
تحديات متنوعة
وهنا نتساءل.. هل هناك من تحديات قد تواجه المشهد الانتخابي الحالي بالعراق؟ الإجابة نعم هناك الكثير من التحديات النابعة أساساً من الأزمات العراقية المتنوعة، في مقدمتها حالة عدم الاستقرار السياسي المستمرة والدائمة والنابعة من ترسخ الطائفية السياسية، وما نتج عنها من محاصصة يتم على أساسها تقاسم السلطة. وإلى جانب ذلك هناك حالة الانفلات الأمني الناتجة عن استمرار بقاء السلاح خارج المنظومة الأمنية الرسمية للدولة، وفى يد الميليشيات المسلحة التي باتت تمارس أدواراً تناطح بها أدوار الدولة خاصة في جانبها الأمني، مع تفشي الفساد بكل أنواعه وعجز كافة الحكومات العراقية بما فيها حكومة الكاظمي المؤقتة عن اتباع سياسات من شأنها معالجة حقيقية وواضحة لهذا الفساد، وأخيراً الخوف من عزوف العراقيين عن المشاركة في العملية الانتخابية، بالتوازي مع تخوفات أخرى من الدور الذى يمكن أن يلعبه المال السياسي في توجيه الناخبين من ناحية، وفى تزوير نتائج الانتخابات من ناحية ثانية.
ورغم كل هذه المخاوف فإن آمال العراقيين ومعهم كل المحبين لهم، تظل كبيرة في رؤية غد سياسي أفضل يعود من خلاله الأمن والأمان إلى هذا الوطن الغالي ليظل البوابة الشرقية الصامدة لوطننا العربي الكبير.